السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (129)

{ ولله ما في السماوات وما في الأرض } ملكاً وخلقاً فله الأمر كله والمقصود من هذا تأكيد ما ذكره أوّلاً من قوله : { ليس لك من الأمر شيء } والمعنى : إنما يكون ذلك لمن له الملك وليس هو لأحد إلا لله تعالى .

فإن قيل : ظاهر ما ذكر يدل على أنّ ذلك ورد للمنع من أمر كان صلى الله عليه وسلم يريد أن يفعله وذلك الفعل إن كان بأمر الله تعالى فكيف يمنعه منه وإن كان بغير أمره فكيف يصح مع قوله تعالى : { وما ينطق عن الهوى } ( النجم ، 3 ) أجيب : بأنّ ذلك كان من باب ترك الأفضل والأولى فلا جرم أرشده الله تعالى إلى اختيار الأولى نظيره قوله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين126 واصبروا وما صبرك إلا بالله } ( النحل ، 127 ) فكأنه تعالى قال أوّلاً : إن كان ولا بدّ أن تعاقب ذلك الظالم فاكتف بالمثل ، ثم قال ثانياً وإن تركته كان ذلك أولى . ثم أمره أمراً جازماً بتركه فقال : واصبر وما صبرك إلا بالله { يغفر لمن يشاء } مغفرته { ويعذب من يشاء } تعذيبه . ولما كان له فعل ذلك إلا أن جانب المغفرة والرحمة غالب لا على سبيل الوجوب بل على سبيل التفضل والإحسان قال : { والله غفور } لأوليائه { رحيم } بعباده فلا تبادر بالدعاء عليهم .