إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (129)

{ وَللَّهِ مَا في السماوات وَمَا فِي الأرض } كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان اختصاصِ ملكوتِ كلِّ الكائناتِ به عز وجل إثرَ بيانِ اختصاصِ طرَفٍ من ذلك به سبحانه تقريراً لما سبق وتكملةً له . وتقديمُ الجارِّ للقصر ، وكلمةُ { مَا } شاملةٌ للعقلاء أيضاً تغليباً أي له ما فيهما من الموجودات خلقاً ومُلكاً لا مدخَلَ فيه لأحد أصلاً فله الأمرُ كلُّه { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أن يغفرَ له مشيئةً مبنيةً على الحِكمة والمصلحة { وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } أن يعذِّبَه بعمله مشيئةً كذلك . وإيثارُ كلمة { مِنْ } في الموضعين لاختصاص المغفرةِ والتعذيبِ بالعقلاء ، وتقديمُ المغفرة على التعذيب للإيذان بسبق رحمتِه تعالى غضبَه وبأنها من مقتَضيات الذاتِ دونه فإنه من مقتضيات سيئاتِ العُصاة ، وهذا صريحٌ في نفي وجوبِ التعذيبِ ، والتقييدُ بالتوبة وعدمِها كالمنافي له { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييلٌ مقرر لمضمون قوله تعالى : { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } [ آل عمران ، الآية : 129 ] مع زيادة ، وفي تخصيص التذييلِ به دون قرينةٍ من الاعتناء بشأن المغفرةِ والرحمةِ ما لا يخفي .