اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (129)

وقال : { مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } ولم يقل : مَنْ ؛ لأن الإشارة إلى الحقائق والماهيات ، فدخل الكُلُّ فيه .

قوله : { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } احتجوا بذلك على أنه سبحانه - له أن يُدْخِلَ الجنة - بحُكْم إلهيته - جميعَ الكُفَّار ، وله أن يُدْخِلَ النارَ - بحكم إلهيته - جميع المقربين ، ولا اعتراض عليه ؛ لأن فعلَ العبد متوقف على الإرادة ، وتلك الإرادة مخلوقة لله - تعالى - فإذا خلق الله تلك الإرادة أطاع ، وإذا خلق النوع الآخر من الإرادة عصى ، فطاعة العبد من الله ، ومعصيته - أيضاً - من الله - وفعل الله لا يوجب على الله شيئاً - ألبتة - ، فلا الطاعة توجب الثواب ، ولا المعصية توجب العقاب ، بل الكل من الله - بحكم إلهيته وقهره وقدرته - فصح ما ادعيناه .

فإن قيل : أليس ثبت أنه لا يُغْفَرُ لِلْكُفَّارِ ، ولا يُعَذَّبُ المَلاَئِكَةُ والأنْبِيَاءُ - عليهم السلام .

قلنا : مدلول الآية أنه لو أراد فعل ، ولا اعتراض عليه ، وهذا القدر لا يقتضي أنه يفعل ، أو لا يفعل .

ثم قال : { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والمقصود منه أنه وإن حَسُنَ كل ذلك منه إلا أن جانب الرحمة والمغفرة غالب ، لا على سبيل الوجوب ، بل على سبيل الفضل والإحسان .