فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

{ قال : رب بما أنعمت عليّ } الباء للقسم وما موصولة أو مصدرية أي : أقسم بإنعامك عليّ بالمغفرة لأتوبن قاله الزمخشري والمهداوي والماوردي . وقيل : المراد بما أنعم به عليه هو ما آتاه من الحكم والمعرفة والعلم والتوحيد ، قاله القرطبي . وقال الثعلبي : أي بالمغفرة فلم تعاقبني .

وجملة { فلن أكون ظهيرا للمجرمين } كالتفسير للجواب ، وكأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرما ، ويجوز أن تكوم الباء هي باء السببية ، متعلقة بمحذوف أي : اعصمني بسبب ما أنعمت به علي . ويكون قوله : فلن أكون ظهيرا مترتبا عليه ، ويكون في ذلك استعطاف لله تعالى ، وتوصل إلى إنعامه وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون والانتظام في جملته في ظاهر الأمر أو مظاهرته على ما فيه إثم أو تكثير سواده .

قال الكسائي والفراء : ليس قول هذا خبرا ، بل هو دعاء ، أي : فلا تجعلني يا رب ظهيرا لهم ، وبها قرأ عبد الله . وقال الفراء : المعنى اللهم فلن أكون الخ ، وقال النحاس : إن جعله من باب الخبر أوفى ، وأشبه ينسق الكلام وفيه دليل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا ، وقيل : أراد إني إن أسأت في هذا القتل الذي لم أؤمر به فلا أترك نصرة المسلمين على المجرمين ، فعلى هذا كان الإسرائيليون مؤمنا ، ونصرة المؤمنين واجبة في جميع الأديان وقيل : لم يستثن فابتلي في اليوم الثاني ، أي لم يقل فلم أكن إن شاء الله ظهيرا للمجرمين ، كما قال تعالى .