الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِن كَادُواْ لَيَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِيُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ وَإِذٗا لَّا يَلۡبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلٗا} (76)

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يسكنون الشام ، فمالك والمدينة ؟ فَهَمَّ أن يشخص فأنزل الله تعالى { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض } الآية .

وأخرج ابن جرير عن حضرمي رضي الله عنه ، أنه بلغه أن بعض اليهود قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أرض الأنبياء أرض الشام ، وإن هذه ليست بأرض الأنبياء . فأنزل الله تعالى { وإن كادوا ليستفزونك . . . } الآية .

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر ، عن عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه : أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : «إن كنت نبياً فالْحَقْ بالشام ، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض . . . } إلى قوله : { تحويلاً } فأمره بالرجوع إلى المدينة وقال : فيها محياك وفيها مماتك وفيها تبعث . وقال له جبريل عليه السلام : سل ربك . . . فإن لكل نبي مسألة . فقال : ما تأمرني أن أسأل ؟ قال : { قل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً } فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض } قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وقد فعلوا بعد ذلك فأهلكهم الله تعالى يوم بدر ، ولم يلبثوا بعده إلا قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر ، وكذلك كانت سنة الله تعالى في الرسل عليهم الصلاة والسلام إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وإذاً لا يلبثون خلافَكَ إلا قليلاً } قال : يعني بالقليل يوم أخذهم ببدر ، فكان ذلك هو القليل الذي كان كثيراً بعده .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : القليل ثمانية عشر شهراً .