الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (142)

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } قال : ذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سليمان التيمي قال : زعم حضرمي أن الثلاثين ليلة التي وعد موسى ذو القعدة ، والعشر التي تمم الله بها الأربعين ليلة عشر ذي الحجة .

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : ما من عمل في أيام من السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة ، وهي العشر التي أتمها الله لموسى .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } يعني ذا القعدة وعشراً من ذي الحجة ، خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هرون ، فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليه التوراة في الألواح ، فقربه الرب نجياً وكلمه وسمع صريف القلم ، وبلغنا أنه لم يحدث في الأربعين ليلة حتى هبط من الطور .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } قال : ذو القعدة { وأتممناها بعشر } قال : عشر ذي الحجة .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } قال : إن موسى قال لقومه : إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأخلف هرون فيكم ، فلما فصل موسى إلى ربه زاده الله عشراً ، فكانت فتنتهم في العشر التي زاده الله ، فلما مضى ثلاثون ليلة كان السامري أبصر جبريل ، فأخذ من أثر الفرس قبضة من تراب فقال حين مضى ثلاثون ليلة : يا بني إسرائيل إن معكم حلياً من حلى آل فرعون وهو حرام عليكم فهاتوا ما عندكم فنحرقها ، فأتوه بما عندهم من حليهم ، فأوقد ناراً ثم ألقى الحلي في النار ، فلما ذاب الحلي ألقى تلك القبضة من التراب في النار فصار عجلاً جسداً له خوار ، فخار خورة واحدة لم يثن فقال السامري : إن موسى ذهب يطلب ربكم وهذا إله موسى ، فذلك قوله { هذا إلهكم وإله موسى فنسي } [ طه : 88 ] يقول : انطلق يطلب ربه فضل عنه وهو هذا ، فقال الله تبارك وتعالى لموسى وهو يناجيه { قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً } [ طه : 85 - 86 ] قال يعني حزيناً .

وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال : قال الرب تبارك وتعالى لموسى عليه السلام « مرْ قومك أن ينيبوا إلي ويدعوني في العشر يعني عشر ذي الحجة فإذا كان اليوم العاشر فليخرجوا إليَّ أُغْفِرْ لهم » قال وهب : اليوم الذي طلبته اليهود فأخطأوه ، وليس عدد أصوب من عدد العرب .

وأخرج الديلمي عن ابن عباس رفعه « لما أتى موسى ربه وأراد أن يكلمه بعد الثلاثين يوماً وقد صام ليلهن ونهارهن ، فكره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم ، فتناول من نبات الأرض فمضغه ، فقال له ربه : لم أفطرت وهو أعلم بالذي كان قال : أي رب كرهت أن أكلمك إلا وفي طيب الريح . قال : أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك ، ارجع فصم عشرة أيام ثم إيتني . ففعل موسى الذي أمره ربه فلما كلم الله موسى قال له ما قال .

أما قوله تعالى : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } .

وأخرج البزار وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لما كلم الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه ، فقال له موسى : يا رب أهذا كلامك الذي كلمتني به ؟ قال : يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ، ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك ، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا : يا موسى صف لنا كلام الرحمن . فقال : لا تستطيعونه ، ألم تروا إلى أصوات الصواعق الذي يقبل في أحلى حلاوة سمعتموه ، فذاك قريب منه وليس به » .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عطاء بن السائب قال : كان لموسى عليه السلام قبة طولها ستمائة ذراع ، يناجي فيها ربه عز وجل .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن كعب قال : لما كلم الله موسى قال : يا رب أهكذا كلامك ؟ قال : يا موسى إنما أكلمك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسنة كلها ، ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئاً .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن كعب قال : لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه يعني كلام موسى فجعل يقول : يا رب لا أفهم حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته ، فقال : يا رب هكذا كلامك ؟ قال : لا ، لو سمعت كلامي أي على وجهه لم تك شيئاً . قال يا رب هل في خلقك شيء شبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبهاً بكلامي أشد ما سمع الناس من الصواعق .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال : قيل لموسى عليه السلام ما شبهت كلام ربك مما خلق ؟ فقال موسى : الرعد الساكن .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال : إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه ، ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء ، فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين .

وأخرج الديلمي عن أبي هريرة رفعه ، لما خرج أخي موسى إلى مناجاة ربه كلمه ألف كلمة ومائتي كلمة ، فأول ما كلمه بالبربرية أن قال : يا موسى ونفسي معبراً : أي أنا الله الأكبر . قال موسى : يا رب أعطيت الدنيا لأعدائك ومنعتها أولياءك فما الحكمة في ذلك ؟ فأوحى الله إليه : أعطيتها أعدائي ليتمرغوا ، ومنعتها أوليائي ليتضرعوا .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عجلان قال : كلم الله موسى بالألسنة كلها ، وكان فيما كلمه لسان البربر فقال كلمنه بالبربرية : أنا الله الكبير .

وأخرج سعيد بن منصور وأبي المنذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يوم كلم الله موسى كان عليه جبة صوف ، وكساء صوف ، وسراويل صوف ، وكمه صوف ، ونعلان من جلد حمار غير ذكي » .

وأخرج أبو الشيخ عن عبد الرحمن بن معاوية قال : لما كلم موسى ربه عز وجل مكث أربعين يوماً لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين .

وأخرج أبو الشيخ عن عروة بن رويم قال : كان موسى لم يأت النساء منذ كلمه ربه ، وكان قد ألبس على وجهه بوقع فكان لا ينظر إليه أحد إلا مات فكشف لها عن وجهه ، فأخذتها من غشيته مثل شعاع الشمس ، فوضعت يدها على وجهها وخرت لله ساجدة .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال : كلم الله موسى من ألف مقام ، فكان كلما كلمه رأى النور على وجهه ثلاثة أيام قال : وما قرب موسى امرأة مذ كلمه ربه .

وأخرج ابن المنذر عن عروة بن رويم اللخمي قال : قالت امرأة موسى لموسى : إني أيم منك مذ أربعين سنة فأمتعني بنظرة . فرفع البرقع عن وجهه فغشى وجهه نور التمع بصرها ، فقالت ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة . قال : على أن لا تزوّجي بعدي وأن لا تأكلي إلا من عمل يديك . قال : فكانت تتبع الحصادين ، فإذا رأوا ذلك تخاطوا لها ، فإذا أحست بذلك تجاوزته .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو خيثمة في كتاب العلم والبيهقي عن ابن عباس قال : قال موسى عليه السلام حين كلم ربه : أي رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال : أكثرهم لي ذكراً . قال : أي عبادك أحكم ؟ قال : الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس . قال رب أي عبادك أغنى ؟ قال : الراضي بما أعطيته .

وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن الحسن . أن موسى عليه السلام سأل ربه جماعاً من الخير فقال : أصحب الناس بما تحب أن تصحب به .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن الله تبارك وتعالى ناجى موسى عليه السلام بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام ، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم لما وقع في مسامعه من كلام الرب عز وجل ، فكان فيما ناجاه إن قال : يا موسى إنه لم يتصنع المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا ، ولم يتقرب إليّ المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم ، ولم يتعبد المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي . فقال موسى : يا رب ويا إله البرية كلها ، ويا مالك يوم الدين ، ويا ذا الجلال والإِكرام ، ماذا أعددت لهم ؟ وماذا جزيتهم ؟ قال : أما الزاهدون في الدنيا فإني أبيحهم جنتي حتى يتبوَّأوا فيها حيث شاؤوا ، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشته الحساب وفتشت عما في يديه إلا الورعون فأني أستحيهم ، وأجلهم ، وأكرمهم ، وأدخلهم الجنة بغير حساب ، وأما الباكون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركهم في أحد » .

وأخرج أبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « قال موسى : يا رب علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به . قال : قل يا موسى لا إله إلا الله . قال : يا رب كل عبادك يقول هذا . . . ! قال : قل لا إله إلا الله . قال : لا إله إلا أنت يا رب ، إنما أريد شيئاً تخصني به . قال يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله » .

وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء عن عطاء بن يسار قال : قال موسى عليه السلام : يا رب من أهلك الذين هم أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك ؟ قال : هم البريئة أيديهم ، الطاهرة قلوبهم ، الذين يتحابون بجلالي ، الذين إذا ذكرت ذكروا بي ، وذا ذكروا ذكرت بذكرهم ، الذين يسبغون الوضوء في المكاره ، وينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى وكورها ، ويكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس ، ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حزب .

وأخرج أحمد عن عمر أن القصير قال : قال موسى بن عمران : أي رب أين أبغيك ؟ قال : أبغني عند المنكسرة قلوبهم ، إني أدنو منهم كل يوم باعاً ولولا ذلك انهدموا .

وأخرج ابن المبارك وأحمد عن عمار بن ياسر . أن موسى عليه السلام قال : يا رب حدثني بأحب الناس إليك قال : ولم . . . ؟ قال : لأحبه لحبك إياه . فقال : عبد في أقصى الأرض سمع به عبد آخر في أقصى الأرض لا يعرفه ، فإن أصابته مصيبة فكأنما أصابته ، وإن شاكته شوكة فكأنما شاكته ما ذاك إلا لي ، فذلك أحب خلقي إلي . قال : يا رب خلقت خلقاً تدخلهم النار أو تعذبهم ؟ فأوحى الله إليه : كلهم خلقي ، ثم قال : ازرع زرعاً . فزرعه . فقال : اسقه فسقاه ، ثم قال : قم عليه فقام عليه فحصده ورفعه ، فقال : ما فعل زرعك يا موسى ؟ قال : فرغت منه ورفعته : قال : ما تركت منه شيئاً ؟ قال : ما لا خير فيه . قال : كذلك أنا لا أعذب إلا من لا خير فيه .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن موسى عليه السلام قال : يا رب أخبرني بأكرم خلقك عليك . قال : الذي يسرع إلى هواي إسراع النسر إلى هواه ، والذي يكلف بعبادي الصالحين كما يكلف الصبي بالناس ، والذي يغضب إذا انتهكت محارمي غضب النمر لنفسه ، فإن النمر إذا غضب لم يبال أَقَلَّ الناس أم كثروا . وأخرجه ابن أبي شيبة عن عروه موقوفاً » .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال : سأل موسى عليه السلام ربه عزَّ وجل فقال : أي عبادك أغنى ؟ قال : الذي يقنع بما يؤتى . قال : فأي عبادك أحكم ؟ قال : الذي يحكم للناس بما يحكم لنفسه قال : فأي عبادك أعلم ؟ قال : أخشاهم .

وأخرج أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة وأبو نعيم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن موسى عليه السلام كان يمشي ذات يوم في الطريق ، فناداه الجبار عز وجل : يا موسى ، فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً . . . ! ثم ناداه الثانية : يا موسى بن عمران فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً وارتعدت فرائصه ثم نودي الثالثة يا موسى بن عمران إنني أنا الله لا إله إلا أنا فقال : لبيك لبيك ، فخر لله تعالى ساجداً فقال : ارفع رأسك يا موسى بن عمران ، فرفع رأسه فقال : يا موسى إن أحببت أن تسكن في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي كن لليتيم كالأب الرحيم ، وكن للأرملة كالزوج العطوف ، يا موسى بي عمران أرحم ترحم ، يا موسى كما تدين تدان ، يا موسى نبي بني إسرائيل أنه من لقيني وهو جاحد صلى الله عليه وسلم أدخلته النار . فقال : ومن أحمد ؟ فقال : يا موسى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم عليَّ منه ، كتبت اسمه مع اسمي في العرش قبل أن أخلق السماوات والأرض والشمس والقمر بألفي سنة ، وعزتي وجلالي إن الجنة محرمة على جميع خلقي حتى يدخلها محمد وأمته . قال موسى ، ومن أمة أحمد ؟ قال : أمته الْحَمَّادون يحمدون صعوداً وهبوطاً وعلى كل حال ، يشدون أوساطهم ويطهرون أطرافهم ، صائمون بالنهار رهبان بالليل ، أقبل منهم اليسير وأدخلهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله . قال : اجعلني نبي تلك الأمة . قال : نبيها منها . قال : اجعلني من أمة ذلك النبي . قال : استقدمت واستأخر يا موسى ولكن سأجمع بينك وبينه في دار الجلال » .

وأخرج أبو نعيم عن وهب قال : قال موسى عليه السلام إلهي ما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال : يا موسى أظله يوم القيامة بظل عرشي ، وأجعله في كنفي . قال : يا رب أي عبادك أشقى ؟ قال : من لا تنفعه موعظة ، ولا يذكرني إذا خلا .

وأخرج أبو نعيم عن كعب قال : قال موسى : يا رب ما جزاء من آوى يتيماً حتى يستغني أو كفل أرملة ؟ قال : أسكنه جنتي وأظله يوم لا ظل إلا ظلي .

وأخرج ابن شاهين في الترغيب عن أبي بكر الصدريق رضي الله عنه قال : قال موسى عليه السلام : يا رب ما لمن عزى الثكلى ؟ قال : أظله بظلي يوم لا ظل إلا ظلي .

وأخرج آدم بن أبي أياس في كتاب العلم عن عبد الله بن مسعود قال : لما قرب موسى نجياً أبصر في ظل العرش رجلاً فغبطه بمكانه ، فسأل عنه فلم يخبر باسمه وأخبر بعمله ، فقال له : هذا رجل كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، بر بالوالدين لا يمشي بالنميمة . فقال الله : يا موسى ما جئت تطلب ؟ قال جئت أطلب الهدى يا رب . قال : قد وجدت يا موسى . قال : رب أغفر لي ما مضى من ذنوبي وما غبر وما بين ذلك وما أنت أعلم به مني ، وأعوذ بك من وسوسة نفسي وسوء عملي . فقيل له : قد كفيت يا موسى . قال : رب أي العمل أحب إليك أن أعمله ؟ قال : اذكرني يا موسى . قال : رب أي عبادك أتقى ؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني . قال رب أي عبادك أغنى ؟ قال الذي يقنع بما يؤتى قال : رب أي عبادك أفضل ؟ قال : الذي يقض بالحق ولا يتبع الهوى قال : رب أي عبادك أعلم ؟ قال : الذي يطلب علم الناس إلى علمه لعله يسمع كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى . قال : رب أي عبادك أحب إليك عملاً ؟ قال : الذي لا يكذب لسانه ، ولا يزني فرجه ، ولا يفجر قلبه . قال : رب ثم أي على أثر هذا ؟ قال : قلب مؤمن في خلق حسن قال : رب أي عبادك أبعض إليك ؟ قال : قلب كافر في خلق سيء . قال : رب ثم أي عمل أثر هذا ؟ قال جيفة بالليل بطال بالنهار .

وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الجلد . أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام : إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك ، وكن عند ذكري خاشعاً مطمئناً ، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك وراء قلبك ، وإذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الحقير الذليل ، وذمَّ نفسك فهي أولى بالذم ، وناجني حين تناجيني بقلب وجل ولسان صادق .

وأخرج أحمد عن قسي رجل من أهل الكتاب قال : إن الله أوحى إلى موسى عليه السلام : يا موسى إن جاءك الموت وأنت على غير وضوء فلا تلومن إلا نفسك . قال : وأوحى إليه أن الله تبارك وتعالى يدفع بالصدقة سبعين باباً من السوء ، مثل الغرق والحرق والسرق وذات الجنب . قال : وقال له : والنار ؟ قال : والنار .

وأخرج أحمد عن كعب الأحبار قال : أوحى الله إلى موسى : أن عَلِّم الخير وتعلمه فأني منوّر لمعلم الخير ومتعلمه في قبورهم حتى لا يستوحشوا لمكانهم .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة قال : لما ارتقى موسى طور سينا رأى الجبار في أصبعه خاتماً قال : يا موسى ما هذا ؟ وهو أعلم به قال : شيء من حلي الرجال يا رب . قال فهل عليه شيء من أسمائي مكتوب أو كلامي ؟ قال : لا . قال : فاكتب عليه { لكل أجل كتاب } [ الرعد : 38 ] .

وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاء قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أيتمت الصبي من أبويه وتدعه هكذا ؟ قال : يا موسى : أما ترضى بي كافلاً . !

وأخرج ابن المبارك عن عطاء قال : قال موسى : يا رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال : أعلمهم بي .

وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن وهب قال : قال موسى : يا رب إنهم سيسألنني كيف كان بدؤك ؟ قال : فأخبرهم إني أنا الكائن قبل كل شيء ، والمكوّن لكل شيء ، والكائن بعد كل شيء .

وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الجلد . أن موسى عليه السلام سأل ربه قال : أي رب أنزل عليَّ آية محكمة أسير بها في عبادك . فأوحى إليه : يا موسى أن أذهب فما أحببت أن يأتيه عبادي إليك فأته إليهم .

وأخرج أحمد عن قتادة . أن موسى عليه السلام قال : أي رب أي شيء وضعت في الأرض أقل ؟ قال : العدل أقل ما وضعت في الأرض .

وأخرج أحمد عن عمرو بن قيس قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أي الناس أتقى ؟ قال : الذي يذكر ولا ينسى . قال : فأي الناس أعلم ؟ قال : الذي يأخذ من علم الناس إلى علمه .

وأخرج أحمد وأبو نعيم عن وهب بن منبه قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال : من أذكر برؤيته . قال : أي رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال : الذين يعودون المرضى ، ويعزون الثكلى ، ويشيعون الهلكى .

وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : لما قيل للجبال أنه يريد أن يتجلى تطاولت الجبال كلها وتواضع الجبل تجلى له .

وأخرج البيهقي في الشعب من طريق أحمد بن أبي الحواري عن أبي سليمان قال : إن الله اطلع في قلوب الآدميين فلم يجد قلباً أشد تواضعاً من قلب موسى عليه السلام فخصه بالكلام لتواضعه . قال . وقال غير أبي سليمان : أوحى الله إلى الجبال : إني مكلم عليك عبداً من عبيدي . فتطاولت الجبال ليكلمه عليها وتواضع الطور . قال إن قدر شيء كان ، قال : فكلمه عليه لتواضعه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن العلاء بن كثيِّر قال : إن الله تعالى قال : يا موسى أتدري لم كلمتك ؟ قال : لا يا رب قال : لأني لم أخلق خلقاً تواضع لي تواضعك .

وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن نوف البكالي قال : أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم ، قال : فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع . قال : أرضى بما قسم لي فكان الأمر عليه . وفي لفظ إن قدر لي شيء فسيأتيني ، فأوحى الله : إني سأنزل عليك بتواضعك لي ورضاك بقدرتي .

وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي خالد الأحمق قال : لما كلم الله تعالى موسى عرض إبليس على الجبل ، فإذا جبريل قد وافاه فقال : أخّر يا لعين ايش تعمل ههنا ؟ ! قال : جئت أتوقع من موسى ما توقعت من أبيه . فقال له جبريل : أخر يا لعين . ثم قعد جبريل يبكي حيال موسى ، فأنطق الله الجبة فقالت : يا جبريل ايش هذا البكاء ؟ قال : إني في القرب من الله ، وإني لأشتهي أن اسمع كلام الله كما يسمعه موسى . قالت الجبة : يا جبريل أنا جبة موسى ، وأنا على جلد موسى ، أنا أقرب إلى موسى أو أنت ، يا جبريل أنا لا أسمع ما تسمعه أنت .