غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (142)

142

التفسير : لما أهلك الله سبحانه أعداء بني إسرائيل سأل موسى ربه أن يؤتيه الكتاب الذي وعده فأمره بصوم ثلاثين وهو شهر ذي القعدة ، فلما أتم الثلاثين أنكر من نفسه خلوف الفم فتسوّك فقالت الملائكة : كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدتها بالسواك ، فأوحى الله تعالى إليه : أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ؟ فأمره الله أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لهذا السبب . وقيل : فائدة التفصيل أنه تعالى أمره بصوم ثلاثين وأن يعمل فيها ما يقربه من الله ، ثم أنزلت عليه التوراة في العشر وكلم فيها . وقال أبو مسلم الأصفهاني : من الجائز أن يكون موسى عند تمام الثلاثين بادر إلى ميقات ربه قبل قومه بدليل قوله في طه { وما أعجلك عن قومك يا موسى } [ طه : 83 ] فلما أعلمه الله تعالى خبر قومه مع السامري رجع إلى قومه ، ثم عاد إلى الميقات في عشرة أخرى فتم أربعون ليلة . وقيل : لا يمتنع أن يكون الوعد الأوّل لحضرة موسى وحده والوعد الثاني لحضرة المختارين معه ليسمعوا الكلام . ومن فوائد الفذلكة في قوله { فتم ميقات } ربع { أربعين ليلة } إزالة وهم من يتوهم أن الميقات كان عشرين ثم أتمه بعشر فصار ثلاثين . والفرق بين الميقات والوقت أن الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال والوقت وقت الشيء قدره مقدراً أم لا . وانتصب { أربعين } على الحال أي تم بالغاً هذا العدد . { وهارون } عطف بيان { لأخيه } وقرئ بالضم على النداء { أخلفني في قومي } كن خليفتي فيهم { وأصلح } كن مصلحاً أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل ومن دعاك إلى الإفساد فلا تتبعه . وإنما جعله خليفة مع أنه شريكه في النبوّة بدليل { وأشركه في أمري } [ طه : 32 ] والشريك أعلى حالاً من الخليفة لأن نبوّة موسى كانت بالأصالة ونبوّة هارون بتبعيته فكأنه خليفته ووزيره . وإنما وصاه بالإصلاح تأكيداً واطمئناناً وإلا فالنبي لا يفعل إلا الإصلاح .

/خ154