النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (142)

قوله عز وجل : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } فيها قولان :

أحدهما : أن الثلاثين ليلة شهرٌ أمر بصيامه ، والعشر بعدها أجل لمناجاة ربه .

والثاني : أن الأربعين كلها أجل لمناجاة ربه ، أجل في الأول ثلاثين ليلة ثم زيدت عشراً بعدها . وقد قيل إنه ذو القعدة وعشر من ذي الحجة حكي ذلك عن مجاهد وابن جريج ومسروق .

{ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } يعني أن اجتماع الأجلين تمام أربعين ليلة ، ليدل بذلك على أن العشر هي ليال وليست ساعات .

فإن قيل : فمعلوم أن العشر مع الثلاثين مستكملة أربعين ، فما معنى قوله : { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيلَةً } .

فعن ذلك ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه تأكيد في الذكر فلم يمتنع .

والثاني : كان وعده إلى الجبل الذي كلمه فيه .

والثالث : لينفي تمام الثلاثين بالعشر أن يكون من جملة الثلاثين لأن تمام الشيء بعض منه .

فإن قيل : فلم زاد في أجل وعده بعد الثلاثين عشراً جعلها أجلاً ثانياً فأخّر بها موعده ؟

قيل عن ذلك جوابان :

أحدهما : أن قومه تأخروا عنه في الأجل الأول فزاده الله لتأخرهم عنه أجلاً ثانياً ليحضروا .

والثاني : لأن قومه عبدوا العجل بعده فزاده الله أجلاً ثانياً عقوبة لهم .

ويحتمل جواباً ثالثاً : أن الله فعل ذلك به اختباراً لقومه ليتميز به المؤمن من المنافق ويعرف به المتيقن من المرتاب .

والفرق بين الميقات والوقت وإن كانا من جنس واحد أن الميقات ما قدر لعمل ، والوقت قد لا يتقدر لعمل .