الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ} (22)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : ناعمة .

وأخرج ابن المنذر والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس في قوله : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : يعني حسنها { إلى ربها ناظرة } قال : نظرت إلى الخالق .

وأخرج ابن المنذر والآجري عن محمد بن كعب القرظي في قوله : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : نضر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليه .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم واللالكائي عن مجاهد { وجوه يومئذ ناضرة } قال : مسرورة .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي صالح { وجوه يومئذ ناضرة } قال : بهجة لما هي فيه من النعمة .

وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { وجوه يومئذ ناضرة } قال : النضارة البياض والصفاء { إلى ربها ناظرة } قال : ناظرة إلى وجه الله .

وأخرج ابن المنذر والآجري واللالكائي والبيهقي عن عكرمة { وجوه يومئذ ناضرة } قال : ناضرة من النعيم { إلى ربها ناظرة } قال : تنظر إلى الله نظراً .

وأخرج الدارقطني والآجري واللالكائي والبيهقي عن الحسن في الآية قال : النضرة الحسن نظرت إلى ربها فنضرت بنوره .

وأخرج ابن جرير عن الحسن { وجوه يومئذ ناضرة } يقول : حسنة { إلى ربها ناظرة } قال : تنظر إلى الخالق .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : مسرورة { إلى ربها ناظرة } قال : انظر ما أعطى الله عبده من النور في عينيه أن لو جعل نور أعين جميع خلق الله من الإِنس والجن والدواب وكل شيء خلق الله فجعل نور أعينهم في عيني عبد من عباده ثم كشف عن الشمس ستراً واحداً ودونها سبعون ستراً ما قدر على أن ينظر إلى الشمس ، والشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الستر . قال عكرمة : انظروا ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه أن نظر إلى وجه الرب الكريم عياناً .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } قال : تنظر إلى وجه ربها .

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } قال : «ينظرون إلى ربهم بلا كيفية ولا حد محدود ولا صفة معلومة » .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والآجري في الشريعة والدارقطني في الرؤية والحاكم وابن مردويه واللالكائي في السنة والبيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أدنى أهل الجنة منزلاً لمن ينظر إلى جناته وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : البياض والصفاء { إلى ربها ناظرة } قال : تنظر كل يوم في وجه الله » .

وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي والدارقطني في الرؤية والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : «قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس فيقول من كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم فيقولون : نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه . ويضرب جسر جهنم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ، وفيه كلاليب مثل شوك السعدان ، غير أنه لا يعلم قدر عظمتها إلا الله فتخطف الناس بأعمالهم منهم الموبق بعمله ، ومنهم المخردل ، ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم ، فيعرفونهم بآثار السجود ، فيخرجونهم قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في جميل السيل . ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار ، فيقول : يا رب قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فاصرف وجهي عن النار ، فلا يزال يدعوا الله فيقول لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ، فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره . فيصرف وجهه عن النار ، ثم يقول بعد ذلك : يا رب قربني إلى باب الجنة فيقول : أليس قد زعمت لا تسألني غيره ؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فلا يزال يدعو فيقول لعلي : إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ، فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره . فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره ، فيقربه إلى باب الجنة ، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت فيقول : رب أدخلني الجنة . فيقول : أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك . فيقول : رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله عز وجل ، فإذا ضحك منه أذن له في الدخول فيها ، فإذا دخل فيها قيل له : تمنّ من كذا فيتمنى ، ثم يقال له : تمنَّ من كذا فيتمنى حتى تنقطع به الأماني ، فيقول : هذا لك ومثله معه . قال أبو هريرة : وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً الجنة . قال : وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئاً من حديثه حتى انتهى إلى قوله : هذا لك ومثله معه . قال أبو سعيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «هذا لك وعشرة أمثاله » قال أبو هريرة : حفظت ومثله معه » .

وأخرج الدارقطني في الرؤية عن أبي هريرة قال : «سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله قال : فهل تضارون في رؤية الشمس عند الظهيرة ليست في سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم عز وجل كما لا تضارون في رؤيتهما ، فيلقى العبد فيقول : يا عبدي ألم أكرمك ؟ ألم أسودك ؟ ألم أزوجك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإِبل ، وأتركك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى يا رب . قال : فاليوم أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول : ألم أسودك ؟ ألم أزوجك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإِبل ؟ وأتركك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى يا رب . قال : أفظننت أنك ملاقيّ ؟ قال : لا يا رب . قال : فاليوم أنساك كما نسيتني . قال : ثم يلقى الثالث فيقول : ما أنت ؟ فيقول : أنا عبدك آمنت بك وبنبيك وبكتابك وصمت وصليت وتصدقت ، ويثني بخير ما استطاع ، فيقال له : ألا نبعث عليك شاهداً فيفكر في نفسه من الذي يشهد علي ؟ قال : فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي فينطق فخذه ولحمه وعظمه بما كان يعمل ذلك المنافق وذلك بعذر من نفسه ، وذلك الذي يسخط الله عليه ، ثم ينادي منادٍ : ألا اتبعت كل أمة ما كانت تعبد ، فيتبع أولياء الشيطان الشيطان ، واتبعت اليهود والنصارى أولياءهم إلى جهنم ، ثم نبقى أيها المؤمنون فيأتينا ربنا عز وجل ، وهو ربنا ، فيقول : علام هؤلاء قيام فيقولون : نحن عباد الله المؤمنون عبدناه وهو ربنا وهو آتينا ومثيبنا وهذا مقامنا ، فيقول الله عز وجل : أنا ربكم فامضوا فيوضع الجسر وعليه كلاليب من نار تخطف الناس ، فعند ذلك حلت الشفاعة أي اللهم سلم ، فإذا جاوز الجسر فمن أنفق زوجاً من المال مما يملك في سبيل الله وكل خزنة الجنة يدعوه يا عبد الله يا مسلم هذا خير فتعال . قال أبو بكر : يا رسول الله إن ذلك العبد لا ترى عليه يدع باباً ويلج من آخر فضرب النبي صلى الله عليه وسلم منكبيه وقال : والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون منهم » .

وأخرج الدارقطني في الرؤية عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة جاء الرب عز وجل إلى المؤمنين ، فوقف عليهم والمؤمنون على كوم فيقول : هل تعرفون ربكم عز وجل ؟ فيقولون : إن عرفنا نفسه عرفناه . فيقول لهم الثانية : هل تعرفون ربكم ؟ فيقولون : إن عرفنا نفسه عرفناه .

فتجلى لهم عز وجل فيضحك في وجوههم فيخرون له سجداً » .

وأخرج النسائي والدارقطني وصححه عن أبي هريرة قال : «قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا ؟ قال : هل ترون الشمس في يوم لا غيم فيه ، وترون القمر في ليلة لا غيم فيها ؟ قلنا : نعم قال : فإنكم سترون ربكم عز وجل حتى إن أحدكم ليحاضر ربه محاضرة ، فيقول عبدي : هل تعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول : ألم تغفر لي ؟ فيقول : بمغفرتي صرت إلى هذا » .

وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ترون الله عز وجل يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر أو كما ترون الشمس ليس دونها سحاب » .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارقطني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أن الله ليتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة » .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : «قلنا يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس فيه سحاب ؟ قلنا : لا يا رسول الله . قال : هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : ما تضارون في رؤيته يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما » .

وأخرج عبد بن حميد والدارقطني وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يجمع الله الأمم يوم القيامة بصعيد واحد ، فإذا أراد الله عز وجل أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يقحموهم النار ، ثم يأنينا ربنا عز وجل ونحن على مكان رفيع ، فيقول : من أنتم ؟ فيقولون : نحن المسلمون ، فيقول : ما تنتظرون ؟ فيقولون : ننتظر ربنا عز وجل . فيقول : وهل تعرفونه إن رأيتموه ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : كيف تعرفونه ولم تروه ؟ فيقولون : نعرفه إنه لا عدل له . فيتجلى لنا ضاحكاً ثم يقول : أبشروا يا معشر المسلمين فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت له مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً » .

وأخرج ابن عساكر عن أبي موسى : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا ، ويبقى أهل التوحيد ، فيقال لهم : ما تنتظرون وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : إن لنا لرباً كنا نعبده في الدنيا لم نره . قال : وتعرفونه إذا رأيتموه ؟ فيقولون : نعم ، فيقال لهم : وكيف تعرفونه ولم تروه ؟ قالوا : إنه لا شبيه له . قال : فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تبارك وتعالى فيخرون له سجداً ، ويبقى أقوام في ظهورهم مثل صياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون ، فذلك قول الله عز وجل : { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } [ القلم : 42 ] ويقول الله عز وجل : عبادي ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل وفي لفظ فداء كل رجل منكم رجلاً من اليهود أو النصارى في النار » .

وأخرج الدارقطني عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من أحد إلا ويخلو الله به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر » .

وأخرج الدارقطني عن عبد الله بن عمرو قال : ليخلون الله عز وجل بكم يوم القيامة واحداً واحداً في المسألة حتى تكونوا في القرب منه أقرب من هذا ، وأشار إلى شيء قريب .

وأخرج الدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يوم القيامة أول يوم نظرت فيه عين إلى الله عز وجل » .

وأخرج أحمد ومسلم والدارقطني من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال : نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد ، الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : ما تنتظرون ؟ فيقولون : ننتظر ربنا . فيقول : أنا ربكم . فيقولون : حتى ننظر إليك ، فتجلى لهم يضحك فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم نوراً .

وأخرج الدارقطني عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يتجلى لنا ربنا عز وجل ينظرون إلى وجهه فيخرون له سجداً فيقول : ارفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة » .

وأخرج الدارقطني عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله ليتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر الصديق خاصة » .

وأخرج الدارقطني والخطيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اقرأه هذه الآية { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } قال : والله ما نسختها منذ أنزلها يزورون ربهم تبارك وتعالى فيطعمون ويسقون ويتطيبون ويحلون ويرفع الحجاب بينه وبينهم فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل ، وذلك قوله : عز وجل { لهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } [ مريم : 62 ] .

وأخرج الدارقطني عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم عز وجل فاحدثهم عهداً بالنظر إليه في كل جمعة ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر » .

وأخرج الدارقطني عن أنس قال : بينما نحن حول رسول صلى الله عليه وسلم إذ قال : «أتاني جبريل وفي يده كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء ، قلت يا جبريل : ما هذا ؟ قال : هذا يوم الجمعة يعرض عليك ربك ليكون لك عيداً ولأمتك من بعدك . قلت يا جبريل : فما هذه النكتة السوداء ؟ قال : هذه الساعة وهي تقوم في يوم الجمعة ، وهو سيد أيام الدنيا ، ونحن ندعوه في الجنة يوم المزيد . قلت يا جبريل : ولم تدعونه يوم المزيد ؟ قال : لأن الله عز وجل اتخذ في الجنة وادياً أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة ينزل ربنا على كرسي إلى ذلك الوادي وقد حف العرش بمنابر من ذهب مكللة بالجوهر ، وقد حفت تلك المنابر بكراسي من نور ، ثم يأذن لأهل الغرفات فيقبلون يخوضون كثائب المسك إلى الركب ، عليهم أسورة الذهب والفضة ، وثياب السندس والحرير ، حتى ينتهوا إلى ذلك الوادي ، فإذا اطمأنوا فيه جلوساً بعث الله عز وجل عليهم ريحاً يقال لها المثيرة ، فثارت ينابيع المسك الأبيض في وجوههم وثيابهم ، وهم يومئذ جرد مكعلون أبناء ثلاث وثلاثين يضرب جمامهم إلى سررهم على صورة آدم يوم خلقه الله عز وجل ، فينادي رب العزة تبارك وتعالى رضوان ، وهو خازن الجنة ، فيقول : يا رضوان ارفع الحجب بيني وبين عبادي وزواري ، فإذا رفع الحجب بينه وبينهم فرأوا بهاءه ونوره هبوا له سجوداً فيناديهم عز وجل بصوت : ارفعوا رؤوسكم فإنما كانت العبادة في الدنيا ، وأنتم اليوم دار الجزاء ، سلوني ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي ، فهذا محل كرامتي فسلوني ما شئتم . فيقولون : ربنا وأيّ خير لم تفعله بنا ألست الذي أعنتنا على سكرات الموت ، وآنست منا الوحشة في ظلمات القبور ، وآمنت روعتنا عند النفخة في الصور ؟ ألست أقلتنا عثراتنا ، وسترت علينا القبيح من فعلنا ، وثبت على جسر جهنم أقدامنا ؟ ألست الذي ادنيتنا في جوارك ، وأسمعتنا من لذاذة منطقك ، وتجليت لنا بنورك ؟ فأي خير لم تفعله بنا ؟ فيعود عز وجل فيناديهم بصوته ، فيقول : أنا ربكم الذي صدقتكم وعدي ، وأتممت عليكم نعمتي ، فسلوني ، فيقولون : نسألك رضاك . فيقول : رضاي عنكم أقلتكم عثراتكم وسترت عليكم القبيح من أموركم ، وأدنيت مني جواركم ، وأسمعتكم لذاذة منطقي ، وتجليت لكم بنوري ، فهذا محل كرامتي فسلوني . فيسألونه حتى تنتهي مسألتهم ، ثم يقول عز وجل : سلوني ، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم . ثم يقول عز وجل : سلوني فيقولون : رضينا ربنا وسلمنا ، فيزيدهم من مزيد فضلة وكرامته ، ويزيد زهرة الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرت على قلب بشر ، ويكون كذلك حتى مقدار متفرقهم من الجمعة . قال أنس : فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله وما مقدار تفرقهم ؟ قال : كقدر الجمعة إلى الجمعة . قال : يحمل عرش ربنا العليون معهم الملائكة والنبيون ، ثم يؤذن لأهل الغرفات ، فيعودون إلى غرفهم ، وهم غرفتان زمردتان خضروان ، وليسوا إلى شيء أشوق منهم إلى ويوم الجمعة لينظروا إلى ربهم ، وليزيدهم من مزيد فضله وكرامته » . قال أنس : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيني وبينه أحد .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والحاكم عن لقيط بن عامر أنه خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم ، قال : فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال : «أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم ، ألا فهل من امرىء بعثه قومه ؟ فقالوا اعلم لنا ما يقول رسول الله الاتم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا إني مسؤول هل بلغت ألا اسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا ، ألا اجلسوا . قال : فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلنا يا رسول الله ما عندك من علم الغيب ؟ فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني الفتى ، فقال : ضن ربك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله ، وأشار بيده . قلت وما هن ؟ قال : علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه . وعلم ما في الغد ما أنت طاعم غذاً ولا تعلمه ، وعلم يوم الغيم يشرف عليكم إذا قنطتم مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قريب . قال لقيط : قلت لن نعدم من رب يضحك خيراً وعلم يوم الساعة . قلت يا رسول الله : علمنا ما يعلم الناس وما يعلم صاحبي ، فإنا في قبيل لا يصدقون تصديقنا من أحد مذحج التي قربوا علينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها . قال : تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ، ثم تلبثون ما لبثتم ، ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين مع ربك عز وجل ، فأصبح ربك عز وجل يطوف في البلاد ، وقد خلت عليه البلاد ، فأرسل ربك السماء بمهضب من عند العرش ، ولعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصدع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت الأرض عنه حتى تجعله من عند رأسه فيستوي جالساً يقول ربك مهيم لما كان فيه . يقول يا رب أمس اليوم ولعهده بالحياة يحسبه حديثاً بأهله فقلت يا رسول الله : كيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟ قال : أنبئك بمثل ذلك من آلاء الأرض أشرفت عليها وهي مذرة بالية فقلت : لا تحيا أبداً ثم أرسل ربك عليها السماء ، فلم تلبث عنك إلا أياماً حتى أشرفت عليها وهي سرية واحدة ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعهم من الماء وعلى أن يجمعهم من نبات الأرض ، فيخرجون من الأصواء أو من مصارعهم ، فينظرون إليه ، وينظر إليهم . قلت : يا رسول الله : وكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه ؟ قال : أنبئك بمثل ذلك من آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة ، وتريانهما لا تضارون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم ، وترونه أو ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما . قلت يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟ قال : تعرضون عليه بادية له صفحاتكم ، لا تخفى عليه منكم خافية ، فيأخذ ربك بيده غرفة من ماء ، فينضح قبلكم بها ، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحد منه قطرة ، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الربطة البيضاء ، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحميم الأسود . ألا ثم ينصرف نبيكم صلى الله عليه وسلم ويصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسراً من النار فيظل أحدكم يقول : حس ، يقول ربك : أو أنه فتطلعون على حوض الرسول على أظمأ والله ناهلة قط رأيتها ، ولعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قرح بطهره من الطرف والبول والأذى ويحبس الشمس والقمر ولا ترون منهما واحداً . قلت يا رسول الله : فيم نبصر ؟ قال : بمثل بصرك ساعتك هذه ، وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض . قلت يا رسول الله : فما يجزي من حسناتنا وسيئاتنا ؟ قال : الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يعفو ربك ، قلت يا رسول الله : ما الجنة وما النار ؟ قال : لعمر إلهك أما للنار فسبعة أبواب ما منهن باب إلا يسير الراكب فيها سبعين عاماً . قلت يا رسول الله : فعلام نطلع من الجنة ؟ قال : على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله معه ، وأزواج مطهرة . قلت يا رسول الله : ولنا فيها أزواج ؟ قال : الصالحات للصالحين تلذونهم بمثل لذاتكم في الدنيا ويتلذذن بكم غير أن لا توالد . قال لقيط : فقلت : أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ؟ قلت يا رسول الله : علام أبايعك ؟ فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده ، وقال : على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك ، وأن لا تشرك بالله شيئاً غيره . قلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب . فقبض النبيّ صلى الله عليه وسلم يده ، وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئاً لا يعطينيه . قلت : نحل منها حيث شئنا ولا يجني على امرئ إلا نفسه . فبسط يده وقال : ذلك لك تحلة حيث شئت ، ولا يجني عليك إلا نفسك : قال : فانصرفنا وقال لنا : إن هذين لعمر إلهك من أتقى الناس في الدنيا والآخرة . فقال له كعب : من هم يا رسول الله ؟ قال : بنو المنتقف أهل ذلك ، فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت يا رسول الله : هل لأحد فيما مضى من خير في جاهليتهم ؟ قال : قال رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتقف لفي النار . قال : فلكأنه وقع من بين جلدي ووجهي مما قال لأبي على رؤوس الناس ، فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله . ثم قلت يا رسول الله : وأهلك ؟ قال : وأهلي لعمر الله ، ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك تجر على وجهك وبطنك في النار . قلت يا رسول الله : ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال : ذلك بما قال : بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبياً فمن عصى نبيه كان من الضالين ، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين » .

وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة عن أبي رزين قال : «قلت يا رسول الله : أكلنا يرى ربه يوم القيامة مخلياً به ؟ قال : نعم . قلت : وما آية ذلك قال : أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخلياً به ؟ قالت : بلى . قال : فالله أعظم » .

وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : أول من ينظر إلى الله تبارك وتعالى الأعمى .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن موسى بن صالح بن الصباح رضي الله عنه قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بأهل ولاية الله فيقومون بين يديه ثلاثة أصناف ، فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول عبدي لماذا عملت ؟ فيقول : يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها وما أعددت لأهل طاعتك فيها ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليها . فيقول : عبدي إنما عملت للجنة فادخلها ، ومن فضلي عليك أن أعتقك من النار ، فيدخلها هو ومن معه . ثم يؤتى بالصنف الثاني فيقول : عبدي لما عملت ؟ فيقول : يا رب خلقت ناراً وخلقت أغلاها وسعيرها وسمومها ويحمومها وما أعددت لأعدائك ولأهل معصيتك فيها ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفاً منها ، فيقول : عبدي إنما عملت خوفاً من النار ، فإني أعتقتك من النار ومن فضلي عليك أدخلتك جنتي فيدخل هو ومن معه الجنة ، ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث فيقول : عبدي لماذا عملت ؟ فيقول : ربي حباً لك وشوقاً إليك ، وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليك وحباً لك ، فيقول الله : عبدي إنما عملت شوقاً إليّ وحباً لي فيتجلى له الرب ، فيقول : ها أنا ذا أنظر إليّ . ثم يقول : فضلي عليك أن أعتقك من النار ، وأبيحك جنتي ، وأزيرك ملائكتي ، وأسلم عليك بنفسي فيدخل هو ومن معه الجنة .

وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والبيهقي في الأعمال والصفات عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الدعوات : «اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ، اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الحكم في الغضب والرضا ، وأسألك القصد في الفقر والغنى ، وأسألك نعيماً لا يبيد وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بعد القضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة . اللهم زينا بزينة الإِيمان ، واجعلنا هداة مهتدين » .

وأخرج البيهقي عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه دعاء ، وأمره أن يتعاهده ويتعاهد به أهل كل يوم ، قال : حين تصبح لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك ، الله ما قلت من قول أو حلفت من حلف أو نذرت من نذر فمشيئتك بين يدي ذلك ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ، لا حول ولا قوة إلا بك إنك على كل شيء قدير ، اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت ، وما لعنت من لعن فعلى من لعنت . أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين . أسألك اللهم الرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت ، ولذة النظر إلى وجهك ، وشوقاً إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة . أعوذ بك أن أظلم ، أو أظلم أو أعتدي أو يعتدى عليّ ، أو أكسب خطيئة أو ذنباً لا تغفره . اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، ذا الجلال والإِكرام فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا ، وأشهدك ، وكفى بك شهيداً أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك ، ولك الحمد ، وأنت على كل شيء قدير . وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك ، وأشهد أن وعدك حق ، ولقاءك حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنت تبعث من في القبور ، وأشهد أنك أن تكلني إلى نفسي تكلني إلى وهن وعورة وذنب وخطيئة ، وإني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنبي كله ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم » .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : حسنة { إلى ربها ناظرة } قال : تنتظر الثواب من ربها .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله : { وجوه يومئد ناضرة } قال : حسنة { إلى ربها ناظرة } قال : تنتظر الثواب من ربها .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إلى ربها ناظرة } قال : تنظر منه الثواب .