فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ} (53)

ثم ذكر ما يدلّ على الاستبعاد للبعث عنده وفي زعمه ، فقال : { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءنَّا لَمَدِينُونَ } أي : مجزيون بأعمالنا ، ومحاسبون بها بعد أن صرنا تراباً وعظاماً ، وقيل : معنى مدينون : مسوسون ، يقال دانه : إذا ساسه . قال سعيد بن جبير : قرينه شريكه ، وقيل : أراد بالقرين الشيطان الذي يقارنه ، وأنه كان يوسوس إليه بإنكار البعث ، وقد مضى ذكر قصتهما في سورة الكهف ، والاختلاف في اسميهما ، قرأ الجمهور { لمن المصدقين } بتخفيف الصاد من التصديق ، أي لمن المصدّقين بالبعث ، وقرئ بتشديدها ، ولا أدري من قرأ بها ، ومعناها بعيد ؛ لأنها من التصدّق لا من التصديق ، ويمكن تأويلها بأنه أنكر عليه التصدّق بماله لطلب الثواب ، وعلل ذلك باستبعاد البعث .

وقد اختلف القراء في هذه الاستفهامات الثلاثة ، فقرأ نافع الأولى ، والثانية بالاستفهام بهمزة ، والثالثة بكسر الألف من غير استفهام . ووافقه الكسائي إلا أنه يستفهم الثالثة بهمزتين ، وابن عامر الأولى ، والثالثة بهمزتين ، والثانية بكسر الألف من غير استفهام ، والباقون بالاستفهام في جميعها . ثم اختلفوا ، فابن كثير يستفهم بهمزة واحدة غير مطوّلة ، وبعده ساكنة خفيفة ، وأبو عمرو مطوّلة ، وعاصم ، وحمزة بهمزتين .