اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ} (53)

ويقول تعجباً : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } أي لمحاسبون ومُجَازوْنَ ، والمعنى أن ذلك القرين كان يقول هذه الكلمات على سبيل الاستنكار . واعلم أنه تعالى لما ذكر أن أهل الجنة يتساءلون عند اجتماعهم على الشرب ويتحدثون كانت من جملة كَلِمَاتهم{[47026]} أنهم يتذكرون ما كان قد حصل لهم في الدنيا مما يوجب الوقوع في عذاب الله ثم إنهم تخلصوا عنه وفازوا بالسعادة الأبدية . قال مجاهد : كان ذلك القرين شيطاناً ، وقيل : كان من الإنس ، وقال مقاتل : كانا أخَوَيْنِ{[47027]} . وقيل : كانا شريكين{[47028]} حصل لهما ثمانية آلاف دينار فَتَقَاسَمَاها واشترى أحدهما داراً بألف دينار فأراها صاحبه وقال كيف ترى حسنها ؟ ( فقال{[47029]} : مَا أَحْسَنَهَا ) ، ثم خرج فتصدق بألف دينار وقال : اللهم إنَّ صاحبي قد ابتاع هذه الدار بألف دينار وإني أسألك دارا من دور الجنة ثم إن صاحبه تزوج امرأة حسناء بألف دينار ، فتصدق صاحبه بألف دينار لأجل أن يزوجه الله تعالى من الحُورِ العِينِ ثم إن صاحبه اشترى بساتين بألفي دينار فتصدق هذا بألفي دينار ، ثم إن الله تعالى أعطاه ما طلب في الجنة .

وقيل : كان أحدهما كافراً اسمه نُطْرُوس والآخر مؤمن اسمه يَهُودَا وهما اللذان قص الله خبرهما في سورة{[47030]} الكهف : { واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } [ الكهف : 32 ] .

قوله : { لَمِنَ المصدقين } العامة على التخفيف الصاد من التصديق أي لمن المصدِّقِين بلقاء الله . وقرئ بتشديدها من الصَّدَقَة{[47031]} ، واختلف القراء في هذه الاستفهامات الثلاثة وهي قوله : { أَإِنَّكَ لَمِنَ المصدقين } { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً } { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } فقرأ نافع الأولى والثانية بالاستفهام بهمزة غير مهموسة{[47032]} والثالثة بكسر الألف من غير استفهام . ( ووافقه{[47033]} الكسائي إلا أنه يستفهم الثالثة بهمزتين وابن عامر الأولى والثالثة بالاستفهام بهمزتين والثانية بكسر الألف من غير استفهام ) والباقون بالاستفهام في جميعها . ثم اختلفوا فابن كثير يستفهم بهمزة واحدة غير مطولة وبعدها ياء ساكنة خفيفة وأبو عمرو مطولة وحمزة وعاصم بهمزتين{[47034]} .


[47026]:في ب: كلامهم.
[47027]:وانظر: الرازي 26/139 وزاد المسير 7/59.
[47028]:وهو رأي مقاتل، انظر: زاد المسير 7/59 وانظر: معالم التنزيل والرازي 26/139.
[47029]:سقط من نسخة ب.
[47030]:المرجع السابق.
[47031]:من القراءة المتواترة فقرأ حمزة بالتشديد، وانظر: زاد المسير 7/59، فيما رواه عن حمزة بكر بن عبد الرحمن القاضي، وانظر: البحر المحيط 7/360، وكذلك الكشاف 3/341 بدون نسبة أيضا.
[47032]:كذا هنا في أ و في ب مهموزة وفي الرازي ممدودة.
[47033]:ما بين المعقوفتين كله سقط من نسخة ب.
[47034]:وانظر: الفخر الرازي 26/140 وإتحاف فضلاء البشر 269.