فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المجادلة

هي ثنتان وعشرون آية وهي مدنية . قال القرطبي : في قول الجميع ، إلا رواية عن عطاء أن العشر الأول منها مدني وباقيها مكي وقال الكلبي : نزلت جميعها بالمدينة غير قوله : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } نزلت بمكة . وأخرج ابن الضريس والنحاس وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة المجادلة بالمدينة . وأخرج ابن مردويه عن الزبير مثله .

قوله : { قَدْ سَمِعَ الله } قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بإدغام الدال في السين ، وقرأ الباقون بالإظهار . قال الكسائي : من بيَّن الدال عند السين فلسانه أعجميّ وليس بعربيّ { قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } أي تراجعك الكلام في شأنه { وَتَشْتَكِى إِلَى الله } معطوف على تجادلك . والمجادلة هذه الكائنة منها مع رسول الله أنه كان كلما قال لها : «قد حرمت عليه » ، قالت : والله ما ذكر طلاقاً ، ثم تقول : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي وإن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللَّهم إني أشكو إليك ، فهذا معنى قوله : { وَتَشْتَكِى إِلَى الله } قال الواحدي : قال المفسرون : نزلت هذه الآية في خولة بنت ثعلبة ، وزوجها أوس بن الصامت وكان به لمم ، فاشتد به لممه ذات يوم فظاهر منها ، ثم ندم على ذلك ، وكان الظهار طلاقاً في الجاهلية . وقيل : هي خولة بنت حكيم ، وقيل : اسمها جميلة ، والأوّل أصح ، وقيل : هي بنت خويلد ، وقال الماوردي : إنها نسبت تارة إلى أبيها ، وتارة إلى جدّها وأحدهما أبوها والآخر جدّها ، فهي : خولة بنت ثعلبة بن خويلد ، وجملة { والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما } في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة جارية مجرى التعليل لما قبلها : أي والله يعلم تراجعكما في الكلام { إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ } يسمع كل مسموع ويبصر كل مبصر ، ومن جملة ذلك ما جادلتك به هذه المرأة .

/خ4