{ والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } لما ذكر سبحانه الظهار إجمالاً ووبخ فاعليه شرع في تفصيل أحكامه ، والمعنى : والذين يقولون ذلك القول المنكر الزور ، ثم يعودون لما قالوا : أي إلى ما قالوا بالتدارك والتلافي كما في قوله : { أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ } [ النور : 17 ] : أي إلى مثله . قال الأخفش : { لِمَا قَالُواْ } و«إلى ما قالوا » يتعاقبان . قال : { وَقَالُواْ الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا } [ الأعراف : 43 ] وقال : { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } [ الصافات : 23 ] وقال : { بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا } [ الزلزلة : 5 ] وقال : { وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ } [ هود : 36 ] وقال الفرّاء : اللام بمعنى عن ، والمعنى : ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء . وقال الزجاج : المعنى : ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا . قال الأخفش أيضاً : الآية فيها تقديم وتأخير ، والمعنى : والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما كانوا عليه من الجماع { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } لما قالوا : أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا . فالجار في قوله : { لِمَا قَالُواْ } متعلق بالمحذوف الذي هو خبر المبتدأ وهو فعليهم .
واختلف أهل العلم في تفسير العود المذكور على أقوال : الأوّل : أنه العزم على الوطء وبه قال العراقيون أبو حنيفة وأصحابه . وروي عن مالك . وقيل : هو الوطء نفسه وبه قال الحسن ، وروي أيضاً عن مالك . وقيل : هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق ، وبه قال الشافعي . وقيل : هو الكفارة ، والمعنى : أنه لا يستبيح وطأها إلاّ بكفارة ، وبه قال الليث بن سعد ، وروي عن أبي حنيفة . وقيل : هو تكرير الظهار بلفظه ، وبه قال أهل الظاهر . وروي عن بكير بن الأشبح وأبي العالية والفراء .
والمعنى : ثم يعودون إلى قول ما قالوا . والموصول مبتدأ وخبره : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } على تقدير ، فعليهم تحرير رقبة كما تقدّم ، أو فالواجب عليهم إعتاق رقبة ، يقال : حررته : أي جعلته حرّاً ، والظاهر أنها تجزئ أيّ رقبة كانت ، وقيل : يشترط أن تكون مؤمنة كالرقبة في كفارة القتل ؛ وبالأول : قال أبو حنيفة وأصحابه ، وبالثاني : قال مالك والشافعي ، واشترطا أيضاً سلامتها من كل عيب { مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } المراد بالتماس هنا : الجماع ، وبه قال الجمهور ، فلا يجوز للمظاهر الوطء حتى يُكَفّر ، وقيل : إن المراد به الاستمتاع بالجماع أو اللمس أو النظر إلى الفرج بشهوة ، وبه قال مالك ، وهو أحد قولي الشافعي ، والإشارة بقوله : { ذلكم } إلى الحكم المذكور وهو مبتدأ وخبره : { تُوعَظُونَ بِهِ } أي تؤمرون به ، أو تزجرون به عن ارتكاب الظهار ، وفيه بيان لما هو المقصود من شرع الكفارة . قال الزجاج : معنى الآية ذلكم التغليظ في الكفارة توعظون به : أي إن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فهو مجازيكم عليها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.