فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (25)

قوله : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبَيِّنَاتِ } أي بالمعجزات البينة والشرائع الظاهرة { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ } المراد الجنس ، فيدخل فيه كتاب كلّ رسول { والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط } قال قتادة ومقاتل بن حيان : الميزان : العدل ، والمعنى : أمرناهم بالعدل ، كما في قوله : { والسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَان } [ الرحمن : 7 ] وقوله : { الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق والميزان } [ الشورى : 17 ] وقال ابن زيد : هو ما يوزن به ويتعامل به ، ومعنى : { لِيَقُومَ الناس بالقسط } ليتبعوا ما أمروا به من العدل فيتعاملوا فيما بينهم بالنصفة ، والقسط : العدل ، وهو يدل على أن المراد بالميزان العدل ، ومعنى إنزاله : إنزال أسبابه وموجباته . وعلى القول بأن المراد به الآلة التي يوزن بها فيكون إنزاله بمعنى : إرشاد الناس إليه ، وإلهامهم الوزن به ، ويكون الكلام من باب :

علفتها تبناً وماءً بارداً *** . . .

{ وَأَنزْلْنَا الحديد } أي خلقناه كما في قوله : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [ الزمر : 6 ] والمعنى : أنه خلقه من المعادن وعلم الناس صنعته ، وقيل : إنه نزل مع آدم { فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ } لأنه تُتَّخَذُ منه آلات الحرب . قال الزجاج : يمتنع به ويحارب ، والمعنى : أنه تتخذ منه آلة للدفع وآلة للضرب . قال مجاهد : فيه جنة وسلاح ، ومعنى { ومنافع لِلنَّاسِ } : أنهم ينتفعون به في كثير مما يحتاجون إليه مثل السكين والفأس والإبرة وآلات الزراعة والنجارة والعمارة { وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب } معطوف على قوله : { ليقوم الناس } أي لقد أرسلنا رسلنا وفعلنا كيت وكيت ليقوم الناس وليعلم ، وقيل : معطوف على علة مقدّرة ، كأنه قيل : ليستعملوه وليعلم الله ، والأوّل أولى . والمعنى : أن الله أمر في الكتاب الذي أنزل بنصرة دينه ورسله فمن نصر دينه ورسله علمه ناصراً ، ومن عصى علمه بخلاف ذلك و { بالغيب } في محلّ نصب على الحال من فاعل ينصره أو من مفعوله : أي غائباً عنهم أو غائبين عنه { إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ } أي قادر على كل شيء غالب لكل شيء ، وليس له حاجة في أن ينصره أحد من عباده وينصر رسله ، بل كلفهم بذلك لينتفعوا به إذا امتثلوا ويحصل لهم ما وعد به عباده المطيعين .

/خ29