قوله : { فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } هذا أمر منه سبحانه بالسياحة بعد الإخبار بتلك البراءة ، والسياحة : السير ، يقال : ساح فلان في الأرض يسيح سياحة وسيوحاً وسيحاناً ، ومنه سيح الماء في الأرض وسيح الخيل ، ومنه قول طرفة بن العبد :
لو خفت هذا منك ما نلتني *** حتى ترى خيلاً أمامي تسيح
ومعنى الآية : أن الله سبحانه بعد أن أذن بالنبذ إلى المشركين بعهدهم أباح للمشركين الضرب في الأرض والذهاب إلى حيث يريدون ، والاستعداد للحرب هذه الأربعة الأشهر ، وليس المراد من الأمر بالسياحة تكليفهم بها . قال محمد بن إسحاق وغيره : إن المشركين صنفان : صنف كانت مدة عهده أقلّ من أربعة أشهر ، فأمهل تمام أربعة أشهر ، والآخر كانت أكثر من ذلك فقصر على أربعة أشهر ، ليرتاد لنفسه ، وهو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيث يوجد ، وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر ، وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر ، فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاح الأشهر الحرم ، وذلك خمسون يوماً : عشرون من ذي الحجة وشهر محرم . وقال الكلبي : إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد دون أربعة أشهر ، ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر الله أن يتمّ له عهده بقوله : { فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ } ورجح هذا ابن جرير ، وغيره . وسيأتي في آخر البحث من الرواية ما يتضح به معنى الآية : { واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله } أي : اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز ، ولكن لمصلحة ليتوب من تاب ، وفي ذلك ضرب من التهديد ، كأنه قيل : افعلوا في هذه المدّة كل ما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات ، فإنكم لا تفوتون الله وهو مخزيكم : أي مذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل والأسر ، وفي الآخرة بالعذاب ، وفي وضع الظاهر موضع المضمر ، إشارة إلى أن سبب هذا الإخزاء هو : الكفر ، ويجوز أن يكون المراد : جنس الكافرين ، فيدخل فيه المخاطبون دخولاً أوّلياً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.