فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

قوله : { وَأَذَان منَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الأكبر } ارتفاع أذان على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو على أنه مبتدأ وخبره ما بعده على ما تقدّم في ارتفاع براءة ، والجملة هذه معطوفة على جملة { بَرَاءةٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ } وقال الزجاج : إن قوله { وأذان } معطوف على قوله براءة . واعترض عليه بأن الأمر لو كان كذلك لكن { أذان } مخبر عنه بالخبر الأوّل ، وهو { إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ مّنَ المشركين } وليس ذلك بصحيح . بل الخبر عنه هو { إِلَى الناس } والأذان بمعنى : الإيذان ، وهو الإعلام ، كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء . ومعنى قوله : { إِلَى الناس } التعميم في هذا : أي أنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون قوم ، فهذه الجملة متضمنة للإخبار بوجوب الإعلام لجميع الناس ، والجملة الأولى متضمنة للإخبار بالبراءة إلى المعاهدين خاصة ، و { يَوْمَ الحج } ظرف لقوله : { وأذان } ، ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس ، أو لكون معظم أفعال الحج فيه .

وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية ، فذهب جمع ، منهم : عليّ بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن أبي أوفى ، والمغيرة بن شعبة ، ومجاهد ، أنه : يوم النحر . ورجحه ابن جرير . وذهب آخرون منهم : عمر ، وابن عباس ، وطاوس ، أنه : يوم عرفة . والأوّل : أرجح ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر . قوله : { أَنَّ الله بَرِئ مّنَ المشركين وَرَسُولُهُ } قرئ بفتح أن على تقدير : بأن الله برئ من المشركين . فحذفت الباء تخفيفاً . وقرئ بكسرها ؛ لأن في الإيذان معنى القول ، وارتفاع رسوله على أنه معطوف على موضع اسم أن ، أو على الضمير في برئ ، أو على أنه مبتدأ وخبره محذوف ، والتقدير : ورسوله بريء منهم . وقرأ الحسن وغيره { ورسوله } بالنصب عطفاً على لفظ اسم { أن } . وقرئ { ورسوله } بالجرّ على أن الواو للقسم ، روي ذلك عن الحسن ، وهي قراءة ضعيفة جداً ، إذ لا معنى للقسم برسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا ، مع ما ثبت من النهي عن الحلف بغير الله ، وقيل : أنه مجرور على الجوار .

قوله : { فإن تبتم } أي : من الكفر ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ، قيل : وفائدة هذا الالتفات زيادة التهديد ، والضمير في قوله : { فَهُوَ } راجع إلى التوبة المفهومة من تبتم { خَيْرٌ لَّكُمْ } مما أنتم فيه من الكفر { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي : أعرضتم عن التوبة ، وبقيتم على الكفر { فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله } أي : غير فائتين عليه ، بل هو مدرككم ، فمجازيكم بأعمالكم .

قوله : { وَبَشّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا تهكم بهم ، وفيه من التهديد ما لا يخفى .

/خ3