نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِي ٱلۡكَٰفِرِينَ} (2)

ولما أعلمهم سبحانه بأنه رد إليهم عهدهم ، وكانوا مختلطين مع أهل الإسلام ، جعل لهم مخلصاً إن آثروا البقاء على الشرك مع إعلامهم بأنه لا خلاص لهم لأنهم{[35552]} في قبضته ، فقال مخاطباً لهم ولكل مشرك مسبباً عن البراءة : { فسيحوا } والسياحة : الاتساع في السير والبعد عن المدن والعمارة مع الإقلال من الطعام ، والشراب ، ولذلك يقال للصائم : سائح : والمراد هنا مطلق السير .

ولما كانت السياحة تطلق على غيره ، حقق المعنى بقوله : { في الأرض } أي في أيّ جهة شئتم { أربعة أشهر } أي من{[35553]} أيام الحج ، فيكون آخرها عاشر شهر ربيع الآخر ، تأمنون{[35554]} فيها مناً لا نعرض لكم بسوء ، بل تذهبون فيها حيث شئتم ، أو ترمون حصونكم وتهيئون سلاحكم وتلمون شعثكم لا نغدركم{[35555]} ، لأن ديننا مبني على المحاسن ، ولولا أن الأمر يتعلق بنفوسنا ما نبذنا عهدكم ولا نقضنا عقدكم ، ولكن الخطر في النفس وقد ظهرت منكم أمارات الغدر ولوائح الشر " وعن أيّ نفس بعد نفسي أقاتل " فإذا نقضت الأربعة الأشهر فتهيؤوا لقتالنا وتدرعوا لنزالنا .

ولما كان الإسلام قد ظهر بعد أن كان خفياً ، وقوي بعد أن كان ضعيفاً ، افتتح وعظهم بالكلمة التي تقال أولاً لمن يراد تقريع سمعه وإيقاظ قلبه وتنبيهه على أن ما بعدها أمر مهم ينبغي مزيد الاعتناء به فقال : { واعلموا أنكم } أي{[35556]} أيها الكفرة وإن كثرتم { غير معجزي الله } لأن علمه محيط بكل شيء فهو قادر على كل ممكن { وأن الله } أي لما له من الإحاطة بالجلال والإكرام { مخزي الكافرين* } أي كلهم منكم ومن غيركم في الدنيا والآخرة لأن قوله قد سبق بذلك ، ولا يبدل القول لديه ، والإخزاء : الإذلال مع إظهار الفضيحة والعار -{[35557]} . وأظهر الوصف موضع الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم به ؛ ولعل الالتفات إلى الخطاب إشارة إلى أن من ترك أمر الله حدباً على قريب أو عشير فهو منهم ، وقد برئت منه الذمة ، فلينج بنفسه ولا نجاء له ، أو{[35558]} يكون لا ستعطاف الكفار تلذيذ الخطاب وترهيبهم بزواجر العقاب .


[35552]:في ظ: بأنهم.
[35553]:زيد من ظ.
[35554]:من ظ، وفي الأصل: يأمنون.
[35555]:في ظ: لا نقدركم.
[35556]:سقط من ظ.
[35557]:زيد من ظ.
[35558]:في ظ "و".