روي أنهم كانوا عاهدوا المشركين من غير أهل مكة وغيرهم من العرب فنكثوا إلا ناساً منهم وهم بنو ضمرة وبنو كنانة ، فنبذ العهد إلى الناكثين وأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين ساروا . والأشهر هي الحرم لقوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } والسياحة الضرب في الأرض والاتساع في السير والبعد عن المدن وموضع العمارة مع الإقلال من الطعام والشراب منه يقال للصائم سائح لتركه المطعم والمشرب . والمعنى في هذا الأمر إباحة الذهاب مع الأمان وإزالة الخوف . روي أن فتح مكة كان سنة ثمان من الهجرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولّى عتاب بن أسيد الوقوف بالناس في الموسم ، فاجتمع في تلك السنة في المواقف ومعالم الحج المسلمون والمشركون ونزلت هذه السورة سنة تسع ، وكان أمر فيها أبا بكر على الموسم فلما نزلت السورة أتبعه علياً راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم فقيل له : لو بعثت بها إلى أبي بكر ؟ فقال : لا يؤدي عني إلا رجل مني ، فلما دنا علي سمع أبو بكر الرغاء فوقف وقال : هذا رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما لحقه قال : أمير أو مأمور ؟ قال : مأمور . وروي أن أبا بكر لما كان ببعض الطريق هبط جبريل عليه السلام وقال : يا محمد لا يبلغن رسالتك إلا رجل منك فأرسل علياً فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أشيء نزل من السماء ؟ قال : نعم . فسر وأنت على الموسم وعلي ينادي بالآي . فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر وحدّثهم عن مناسكهم وقام علي يوم النحر عند جمرة العقبة فقال : يا أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم . فقالوا : بماذا ؟ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية . وعن مجاهد ثلاث عشرة . ثم قال : أمرت بأربع : أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة ، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده . فقالوا عند ذلك : يا علي أبلغ ابن عمك أنا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا ، وأنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح وضرب السيوف . استدلت الإمامية بهذه القصة على تفضيل علي كرم الله وجهه وعلى تقديمه . وأجاب أهل السنة بأنه أمر أبا بكر على الموسم وبعث علياً خلفه لتبليغ هذه الرسالة حتى يصلي علي خلف أبي بكر ويكون ذلك جارياً مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر . وأما قوله : «لا يبلغ عني إلا رجل مني » فذلك لأن المتعارف بين العرب أنه إذا عقد السيد الكبير منهم لقوم حلفاً أو عاهد عهداً لم يحل ذلك العهد إلا هو أو رجل من ذوي قرابته كأخ أو عم . فلو تولاه أبو بكر لجاز أن يقولوا هذا خلاف ما يعرف فينافي نقص العهد فأزيلت علتهم بتولية ذلك علياً . وقيل : لما أحضر أبا بكر لتولية أمر الموسم أحضر علياً لهذا التبليغ تطبيباً للقلوب ورعاية للجوانب . ولنرجع إلى التفسير . قال ابن الأنباري : في الكلام إضمار التقدير : فقل لهم سيحوا . ويكون ذلك رجوعاً من الغيبة إلى الحضور كقوله { وسقاهم ربهم شراباً طهوراً إن هذا كان لكم جزاء } [ الدهر : 21 ، 22 ] واختلفوا في الأشهر الأربعة . فعن الزهري أن براءة نزلت في شوال والمراد شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم . وقيل : هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر . وكانت حرماً لأنهم أومنوا فيها وحرم قتلهم وقتالهم ، أو سميت حرماً على التغليب لأن ذا الحجة والمحرم منها . وقيل : ابتداء المدّة من عشر ذي القعدة إلى عشر من ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت للنسيء الذي كان فيهم ، ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة . قال المفسرون : هذا تأجيل من الله للمشركين فمن كانت مدة عهده أكثر من أربعة أشهر حطت إلى أربعة ومن كانت مدته أقل رفعت إليها . والمقصود من هذا التأجيل أن يتفكروا في أنفسهم ويحتاطوا في الأمر ويعلموا أنه ليس لهم بعد هذه المدة إلا أحد أمور ثلاثة : الإسلام أو قبول الجزية أو السيف . فيصير ذلك حاملاً لهم على قبول الإسلام ظاهراً وإلى هذا المعنى أشار بقوله { واعلموا أنكم غير معجزي الله } أي اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز ولكن لمصلحة ولطف ليتوب من تاب ، وفيه ضرب من التهديد كأنه قيل : افعلوا في هذه المدة كل ما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات فإنكم لا تفوتون الله وهو مخزيكم أي مذلكم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالعذاب . وقوله { مخزي الكافرين } من باب الالتفاف من الحضور إلى الغيبة . ومن وضع الظاهر موضع المضمر ليكون فيه إشارة إلى أن سبب الإخزاء هو الكفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.