تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

المفردات :

تختصمون : في يوم القيامة أمام الله تعالى ، يتخاصم الكافر والمؤمن ، والظالم والمظلوم ، يقال : اختصم القوم ، أي : خاصم بعضهم بعضا .

التفسير :

31- { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } .

أي : تعاد الخصومة التي بينك وبينهم يوم القيامة أمام الله تعالى ، فتشهد يا محمد بأنك بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، وأنهم قد كذبوا بالحق ، وكفروا بالله ورسوله ، ويعتذرون بما بلا طائل تحته .

وقد أورد ابن كثير وغيره من المفسرين ، طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة ، تفيد أن التخاصم يوم القيامة يكون بين المؤمن والكافر ، وبين الظالم والمظلوم ، وأن الله تعالى يعيد الخصومة التي كانت في الدنيا بين المتخاصمين مرة أخرى لتحقيق العدالة الكاملة الحقة . ومعاقبة الظالمين ، ومكافأة المؤمنين .

جاء في تفسير القرطبي ما يأتي :

{ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } .

يعني تخاصم الكافر والمؤمن ، والظالم والمظلوم .

وقال الزبير : لما نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله ، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا من خواص الذنوب ؟ قال : " نعم ، ليكرّرن عليكم حتى يؤدّى إلى كل ذي حق حقه " فقال الزبير : والله إن الأمر لشديد .

وأخرج مسلم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من المفلس " ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال صلى الله عليه وسلم : " المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " {[597]} .

وفي البخاري ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليحتلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " {[598]} {[599]} .

وروى الحافظ أبو بكر البزار عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بالحاكم الجائر الخائن يوم القيامة ، فتخاصمه الرعية ، فيفلحون عليه ، فيقال له : سدّ ركنا من أركان جهنم " {[600]} .

تفسير القرآن الكريم

الجزء الرابع والعشرون من القرآن الكريم


[597]:أتدرون ما المفلس: رواه مسلم في البر (2581) والترمذي في صفة القيامة(2418) وأحمد في مسنده (7969) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما المفلس "؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل من مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ".
[598]:من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه: رواه البخاري في المظالم (2449) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارا ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ".
[599]:تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) مجلد 6 ص 5867، مطبعة دار الغد العربي، العباسية – القاهرة.
[600]:يجاء بالحاكم الجائر: ذكره الهندي في كنز العمال (14771) بلفظ: يؤتى بالحكام يوم القيامة بمن قصر وبمن تعدى، فيقول: أنتم خزان أرضي ورعاء عبيدي وفيكم بغيتي، فيقول للذي قصر: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: رحمته، فيقول الله: أنت أرحم بعبادي مني، ويقول الذي تعدى: ما حملك على الذي صنعت؟ فيقول: غضبا مني،فيقول: انطلقوا بهم فسدوا بهم ركنا من أركان جهنم. وقال: رواه أبو سعيد النقاش في كتاب القضاة من طريق ابن عبد الرحيم المروزي عن بقية ثنا سلمة بن كلثوم عن أنس، وعنده قال أبو داود: لا أحدث عنه، وسلمة شامي ثقة وبقية روايته عن الشاميين. مقبولة، وقد صرح في هذا الحديث بالتحديث. *** تمت الهوامش وتخرج الأحاديث بحمد الله وبها تم الجزء (الثالث والعشرون)
 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ } على تغليب المخاطب على الغيب .

{ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ } أي مالك أموركم { تَخْتَصِمُونَ } فتحتج أنت عليهم بأنك بلغتهم ما أرسلت به من الأحكام والمواعظ التي من جملتها ما في تضاعيف هذه الآيات واجتهدت في دعوتهم إلى الحق حق الاجتهاد وهم قد لجوا في المكابرة والعناد ويعتذرون بالأباطيل مثل { أَطَعْنَا سَادَتَنَا } [ الأحزاب : 67 ] و { وَجَدْنَا ءابَاءنَا } [ الأنبياء : 53 ] { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } [ المؤمنون : 106 ] والجمع بين { يَوْمُ القيامة } و { عِندَ رَبّكُمْ } لزيادة التهويل ببيان أن اختصامهم ذلك في يوم عظيم عند مالك لأمورهم نافذ حكمه فيهم ولو اكتفى بالأول لاحتمل وقوع الاختصام فيما بينهم بدون مرافعة أو بمرافعة لكن ليست لدى مالك لأمورهم ، والاكتفاء بالثاني على تسليم فهم كون ذلك يوم القيامة معه بدون الاحتمال لا يقوم مقام ذكرهما لما في التصريح بما هو كالعلم من التهويل ما فيه ، وقال جمع : المراد بذلك الاختصام العام فيما جرى في الدنيا بين الأنام لا خصوص الاختصام بينه عليه الصلاة والسلام وبين الكفرة الطغام ، وفي الآثار ما يأبى الخصوص المذكور .

أخرج عبد الرزاق . وعبد بن حميد . وابن جرير . وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال : نزلت هذه الآية { إِنَّكَ مَيّتٌ } [ الزمر : 30 ] الخ فقالوا : وما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان بن عفان قالوا هذه خصومة ما بيننا . وأخرج سعيد بن منصور عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } كنا نقول : ربنا واحد وديننا واحد فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا : نعم هو هذا .

وأخرج عبد بن حميد . والنسائي . وابن أبي حاتم . والطبراني . وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : لقد لبثنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين من قبل { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قلنا : كيف نختصم ونبينا واحد وكتابنا واحد حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت أنها نزلت فينا ، وفي رواية أخرى عنه بلفظ نزلت علينا الآية { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } وما ندري فيم نزلت قلنا : ليس بيننا خصومة فما التخاصم حتى وقعت الفتنة فقلت : هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه .

وأخرج أحمد . وعبد الرزاق . وعبد بن حميد . والترمذي وصححه . وابن أبي حاتم . والحاكم وصححه . وابن مردويه . وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في البعث والنشور عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال : لما نزلت : { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 30 ] قلت : يا رسول الله أينكر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب قال : نعم ينكر ذلك عليكم حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه قال الزبير : فوالله إن الأمر لشديد .

وزعم الزمخشري أن الوجه الذي يدل عليه كلام الله تعالى هو ما ذكر أولاً واستشهد بقوله تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ } [ الزمر : 32 ] الخ وبقوله سبحانه : { والذي جَاء بالصدق } [ الزمر : 33 ] الخ لدلالتهما على أنهما اللذان تكون الخصومة بينهما ، وكذلك ما سبق من قوله تعالى : { ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً } ( الزمر ؛ 29 ) الخ . وتعقب ذلك في «الكشف » فقال : أقول قد نقل عن جلة الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم ما يدل على أنهم فهموا الوجه الثاني أي العموم بل ظاهر قول النخعي قالت الصحابة : ما خصومتنا ونحن إخوان يدل على أنه قول الكل فالوجه إيثار ذلك .

وتحقيقه أن قوله تعالى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هذا القرءان } [ الزمر : 27 ] كلام مع الأمة كلهم موحدهم ومشركهم وكذلك قوله تعالى ضرب الله مثلاً رجلا ورجلاً بل أكثرهم دون بل هم كالنص على ذلك فإذا قيل : { إنك ميت } وجب أن يكون على نحو { يأيُّهَا النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ } [ الطلاق : 1 ] أي إنكم أيها النبي والمؤمنون وأبهم ليعم القبيلين ولا يتنافر النظم فقد روعي من مفتتح السورة إلى هذا المقام التقابل بين الفريقين لا بينه عليه الصلاة والسلام وحده وبين الكفار ثم إذا قيل : { ثُمَّ إِنَّكُمْ } على التغليب يكون تغليباً للمخاطبين على جميع الناس فهذا من حيث اللفظ والمساق الظاهر ثم إذا كان الموت أمراً عمه والناس جميعاً كان المعنى عليه أيضاً ، وأما حديث الاختصام والطباق الذي ذكره فليس بشيء لأنه لعمومه يشمله شمولاً أولياً كما حقق هذا المعنى مراراً . والتعقيب بقوله تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ } [ الزمر : 32 ] للتنبيه على أنه مصب الغرض وأن المقصود التسلق إلى تلك الخصومة ، ولا أنكر أن قوله تعالى : { عِندَ رَبّكُمْ } يدل على أن الاختصام يوم القيامة ولكن أنكر أن يختص باختصام النبي صلى الله عليه وسلم وحده والمشركين بل يتناوله أولاً وكذلك اختصام المؤمنين والمشركين واختصام المؤمنين بعضهم مع بعض كاختصام عثمان رضي الله تعالى عنه يوم القيامة وقاتليه ، وهذا ما ذهب إليه هؤلاء وهم هم رضي الله تعالى عنهم انتهى ، وكأنه عنى بقوله ولا أنكر الخ رد ما يقال إن { عِندَ رَبّكُمْ } يدل على أن الاختصام يوم القيامة ، وقد صرح في «النظم الجليل » بذلك فيكون تأكيداً مشعراً بالاهتمام بأمر ذلك الاختصام فليس هو إلا اختصام حبيبه صلى الله عليه وسلم مع أعدائه الطغام ، ووجه الرد أنه إن سلم أن فائدة الجمع ما ذكر فلا نسلم استدعاء ذلك لاعتبار الخصوص بل يكفي للاهتمام دخول اختصام الحبيب مع أعدائه عليه الصلاة والسلام فتأمله ، ثم أنت تعلم أنه لو لم يكن في هذا المقام سوى الحديث الصحيح المرفوع لكفى في كون المراد عموم الاختصام فالحق القول بعمومه وهو أنواع شتى ، فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في الآية : يخاصم الصادق الكاذب والمظلوم الظالم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر ، وأخرج الطبراني .

وابن مردويه بسند لا بأس به عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته والله ما يتكلم لسانها ولكن يداها ورجلاها يشهدان عليها بما كان لزوجها وتشهد يداه ورجلاه بما كان لها ثم يدعى الرجل وخادمه بمثل ذلك ثم يدعى أهل الأسواق وما يوجد ثم دانق ولا قراريط ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلمه وسيئات هذا الذي ظلمه توضع عليه ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال أوردوهم إلى النار فوالله ما أدري يدخلونها أو كما قال الله { وإن منكم إلا واردها } " وأخرج البزار عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بالأمير الجائر فتخاصمه الرعية " وأخرج أحمد . والطبراني بسند حسن عن عقبة بن عامر قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول خصمين يوم القيامة جاران " ولعل الأولية إضافية لحديث أبي أيوب السابق .

وجاء عن ابن عباس اختصام الروح مع الجسد أيضاً بل أخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليختصمن يوم القيامة كل شيء حتى الشاتان فيما انتطحا "

تم الجزء الثالث والعشرون ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الرابع والعشرون وأوله { فَمَنْ أَظْلَمُ }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } فيما تنازعتم فيه ، فيفصل بينكم بحكمه العادل ، ويجازي كُلًّا ما عمله { أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ }