أفعيينا : أفعجزنا عن الإبداء حتى نعجز عن الإعادة ، والعيّ بالأمر العجز عنه ، والهمزة للاستفهام الإنكاري .
لبس : شك شديد ، وحيرة واختلاط .
15- { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد } .
استفهام إنكاري مؤداه : هل عجزنا عن خلق الإنسان من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة إلى أن صار خلقا آخر ، تبارك الله أحسن الخالقين الذي خلقه ؟ هل عجزنا عن خلق هذا الكون ، بكل ما فيه من سماء وأرض وفضاء ، وأنهار وأشجار وبحار ، وليل ونهار ، وشمس وقمر وكواكب ؟ هل عجزنا عن حفظ هذا الكون وتماسكه بلايين السنين ؟
وإذا كان ذلك لم يعجزنا ، فإن الإعادة أهون من البدء ، كما قال تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه . . . } ( الروم : 27 ) .
فالله سبحانه على كل شيء قدير ، ولا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض ، وهم يسلمون بأن الخالق للكون ولآدم وذريته هو الله ، ثم يقعون بعد ذلك في الحيرة والشك والاضطراب والاختلاط ، حين يتعلق الأمر بالنشأة الآخرة والبعث بعد الموت .
جاء في الحديث القدسي الصحيح ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يقول : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته )8 .
إننا لم نعجز عن خلق هذا الكون ، وخلق الإنسان أول مرة ، وإذا لم نعجز عن البدء ، فإن الإعادة أهون من البدء ، لكن الكفار في حيرة واضطراب ، منهم من يؤمن بالبعث ، ومنهم من ينكره ، وما تكذيب المكذبين إلا من باب تقليد السابقين ، أو المكابرة والعناد ، أو الشك واللبس وعدم الاهتداء .
{ أَفَعَيِينَا بالخلق الأول } استئناف مقرر لصحة البعث الذي حكيت أحوال المنكرين له من الأمم المهلكة والعي بالأمر العجز عنه لا التعب ، وقال الكسائي : تقول أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز عن الأمر ، وهذا هو المعروف والأفصح وإن لم يفرق بينهما كثير ، والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر ينبئ عنه العي من القصد والمباشرة كأنه قيل : أقصدنا الخلق الأول وهو الإبداء فعجزنا عنه حتى يتوهم عجزنا عن الإعادة ، وجوز الإمام أن يكون المراد بالخلق الأول خلق السماء والأرض ويدل عليه قوله سبحانه : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والارض وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ } [ الأحقاف : 33 ] ويؤيده قوله تعالى بعد : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان } [ ق : 16 ] الخ وهو كما ترى ، وعن الحسن { الخلق الاول } آدم عليه السلام وليس بالحسن ، وقرأ ابن أبي عبلة . والوليد بن مسلم . والقورصي عن أبي جعفر . والسمسار عن شيبة . وأبو بحر عن نافع { أفعينا } بتشديد الياء وخرجت على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي فقال : عي في عي وحي في حي فلما أدغم الحقه ضمير المتكلم المعظم نفسه ولم يفك الإدغام فقال : عيناً وهي لغة لبعض بكر بن وائل في رددت ورددنا ردت وردنا فلا يكفون ، وعلى هذه اللغة تكون الياء المشددة مفتوحة ولو كانت { نا } ضمير نصب فالعرب جميعهم على الأدغام نحو ردنا زيد { بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } عطف على مقدر يدل عليه ما قبله كأنه قيل : إنهم معترفون بالأول غير منكرين قدرتنا عليه فلا وجه لإنكارهم الثاني بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف وإنما نكر الخلق ووصف بجديد ولم يقل : من الخلق الثاني تنبيهاً على مكان شبهتهم واستبعادهم العادي بقوله سبحانه : { جَدِيدٍ } وأنه خلق عظيم يجب أن يهتم بشأنه فله نبأ أي نبأ ، والتعظيم ليس راجعاً إلى الخلق من حيث هو هو حتى يقال : إنه أهون من الخلق الأول بل إلى ما يتعلق بشأن المكلف وما يلاقيه بعده وهو هو وقال بعض المحققين : نكر لأنه لاستعباده عندهم كان أمراً عظيماً ، وجوز أن يكون التنكير للإبهام إشارة إلى أنه خلق على وجه لا يعرفه الناس ، وأورد الشيخ الأكبر قدس سره هذه الآية في معرض الاستدلال على تجدد الجواهر كالتجدد الذي يقوله الأشعري في الإعراض فكل منهما عند الشيخ لا يبقى زمانين ، ويفهم من كلامه قدس سره أن ذلك مبني على القول بالوحدة وأنه سبحانه كل يوم هو في شأن ، ولعمري أن الآية بمعزل عما يقول .
ثم استدل تعالى بالخلق الأول -وهو المنشأ الأول{[819]} - على الخلق الآخر ، وهو النشأة الآخرة .
فكما{[820]} أنه الذي أوجدهم بعد العدم ، كذلك يعيدهم بعد موتهم وصيرورتهم إلى [ الرفات ] والرمم ، فقال : { أَفَعَيِينَا } أي : أفعجزنا وضعفت قدرتنا { بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ } ؟ ليس الأمر كذلك ، فلم نعجز ونعي عن ذلك ، وليسوا في شك من ذلك ، وإنما هم في لبس من خلق جديد هذا الذي شكوا فيه ، والتبس عليهم أمره ، مع أنه لا محل للبس فيه ، لأن الإعادة ، أهون من الابتداء كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.