تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

1

المفردات :

ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله : ذلك التغليظ في الكفارة لكي تعلموا بشرائع الله التي شرعها ، فلا تعودوا إلى الظهار الذي هو من شرائع الجاهلية .

حدود الله : أحكام شريعته التي لا يحل تركها .

للكافرين : الذين يتعدون الأحكام ولا يعملون بها .

التفسير

4- { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

تفيد الآيات ما يأتي :

من قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، ثم ندم ورغب في الرجوع إلى الحياة الزوجية مع زوجته ، فعليه كفارة بفعل واحدة من ثلاث على الترتيب :

أولا : عتق رقبة ، فإن عجز عن ذلك – كما في هذه الأيام لعدم وجود أرقاء أصلا – انتقل إلى الكفارات الأخرى .

ثانيا : صيام ستين يوما متتابعة من قبل أن يجامع زوجته .

ثالثا : إذا عجز عن الصيام ، فإنه يطعم ستين مسكينا طعاما مشبعا كافيا .

وهذه الأمور على الترتيب ، فلا يلجأ إلى الصيام إلا عند العجز عن عتق رقبة ، ولا يلجأ إلى الإطعام إلا عند العجز عن صيام ستين يوما متتابعة ، فإذا عجز عن الصيام أطعم ستين مسكينا إطعاما مشبعا .

وذهب الشافعي وغيره إلى أنه يكفيه إعطاء مد واحد لكل مسكين ، ورأى أبو حنيفة جواز إعطاء مد واحد لكل مسكين ، ورأى أبو حنيفة جوز إعطاء القيمة ، بل هي أفضل إذا كانت أنفع للفقير .

ويمكن تقدير قيمة إطعام الفقراء التي قدرها العلماء بخمسة جنيهات عن كل فرد في شهر رمضان سنة 1421 ه ، فنقول : يعطي لستين مسكينا ، كل مسكين منهم خمسة جنيهات ، أو ما يعادلها ، فمن تطوع خيرا فهو خير له ، بأن يضاعف القيمة إذا كان من أهل اليسر ، فيعطي لكل مسكين 10 جنيهات*60=600 جنيه ( ستمائة جنيه ) ، مقدار الكفارة للمظاهر من زوجته .

{ ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

لقد شددنا العقوبة حتى يرتدع المتلاعبون بحرمات الله ، وتكون هذه العقوبة رادعا للمعتدين ، ليعودوا إلى طريق الإيمان بالله ورسوله ، واحترام أوامر الشرع ، والالتزام بآداب الدين ، وهذه حدود الله وأحكامه الفاصلة بين الحق والباطل ، فالزموها وقفوا عندها ، ومن استهان بحدود الله ، وصد عن شرائعه ، وكفر بهديه ، فله عذاب أليم موجع في الآخرة .

وإطلاق لفظ الكافرين على المتعدي على حدود الله للزجر والردع .

كما قال سبحانه وتعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين . ( آل عمران : 97 ) .

في أعقاب الآيات

في هذه الآيات الكريمة تكريم المرأة ، ورفع لغبن الجاهلية عنها ، حيث نهى القرآن عن الظهار واعتبره منكرا وزورا ، ثم سجل عقوبة كبيرة على قائله ، ليرده إلى حظيرة الإيمان ، ولم تكن الآيات أحكاما شرعية فحسب ، وإنما ضمت إلى ذلك تكريم المرأة وإنصافها ، واستجابة السماء لها ، ولا عجب إذ رأينا الخلفاء يكرمون المرأة ، ويستمعون لشئونها ويلبون طلبها ، ويكرمون خولة بنت ثعلبة ، ويقولون : قد سمع الله تعالى لها .

من التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ، وتفسير ابن كثير :

روى ابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات : أن خولة بنت ثعلبة رأت عمر رضي الله عنه وهو يسير مع الناس ، فاستوقفته ، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها ووضع يده على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، حبست رجال قريش على هذه العجوز ، قال : ويحك ، أتدري من هذه ؟ قال : لا ، قال : هذه امرأة سمع الله لشكواها من فوق سبع سماوات ، هذه خولة بنت ثعلبة ، والله لو لم تنصرف حتى أتى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها . v

وفي رواية أخرى : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والناس معه على حمار ، فاستوقفته طويلا ووعظته ، وقالت : يا عمر ، قد كنت تدعى عميرا ، ثم قيل لك : عمر ، ثم قيل لك : يا أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب – وهو واقف يسمع كلامها – فقيل له : يا أمير المؤمنين ، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لازلت إلى الصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة ، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ vi

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

قوله : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } إذا لم يجد المظاهر من امرأته رقبة يعتقها وليس عنده ثمنها ، أو كان عنده ثمنها وهو محتاج إليه لنفقته على نفسه وعياله فله أن يصوم ، وهو قول الشافعية ، وعند الحنفية لا يجزيه غير العتق ما دام يجد الرقبة .

وبذلك على المظاهر غير الواجد للرقبة أن يصوم شهرين متتابعين من غير فصل بينهما بإفطار ، فإن أفطر في أثنائهما بغير عذر استأنف صيام الشهرين وإن أفطر لعذر كمرض أو سفر أو نحوهما فإنه يبني على صيامه ولا يستأنف وهو الصحيح من مذهب الشافعية ، وعند الحنفية يستأنف الصيام سواء أفطر بينهما أو بغير عذر ، وهو أحد القولين للإمام الشافعي .

قوله : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } من لم يطق من المظاهرين من نسائهم الصيام فعليه إطعام ستين مسكينا ، لكل واحد منهم مدّان بمدّ النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول المالكية ، وعند الشافعية لكل مسكين مدّ من طعام بلده المقتات سواء كان حنطة أو شعيرا أو أرزا أو تمرا أو إقطا ، وعند الحنفية ، لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير .

قوله : { ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله } أي هذا الذي فرضه الله على المظاهر من الكفارة الغليظة ، لتوقنوا أن الله قد أمر به وشرعه وكيلا تعودوا للظهار وهو منكر من القول وزور .

قوله : { وتلك حدود الله } حدود الله ، ، أحكامه من الفروض والنواهي ، فقد بينها الله لكم فلا تعتدوها { وللكافرين عذاب أليم } ذلك وعيد من الله لمن جحد أحكام ربه فلم يطع أمره ، وعصاه فإنه يصلى العذاب في جهنم {[4476]} .


[4476]:تفسير الطبري جـ 28 ص 9 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 321 وأحكام القرآن للجصاص جـ 5 ص 312، 313 وتفسير القرطبي جـ 17 ص 280.