فوج : جمع كثير من أتباعكم في الضلال .
مقتحم معكم : داخل معكم ، والاقتحام : ركوب الشدّة ، والدخول فيها .
لا مرحبا بهم : لا رحبت عليهم الأرض ولا اتسعت .
59-{ هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار } .
قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :
إن القادة إذا دخلوا النار ، ثم دخل بعدهم الأتباع ، تقول الخزنة للقادة : هذا فوج داخل النار معكم ، فيقول السادة : لا مرحبا بهم ، والمراد بذلك الدعاء عليهم .
لا مرحبا بغد ولا أهلا به إن كان تفريق الأحبة في غد .
ونلاحظ دقة التعبير في الآية ، فالفوج جمع غفير ، ومقتحم معكم ، داخل النار كرها وعلى غير اختيار ، وإنما يساق سوقا إلى جهنم في ذلة ومهانة .
والرحب : السّعة ، تقول مرحبا ، أي : أتيت سعة وأهلا ، فاستأنس ولا تستوحش ، بخلاف لا مرحبا ، فإنها على العكس ، وهي تشير إلى أنهم لا يريدون لقاءهم ، فصدورهم لا تتسع لهم ، لأنهم صالوا النار مثلهم ، فلا منفعة في لقائهم تقتضي الترحيب بهم ، وهنا يتضح أمامنا أن أهل النار قد تقطعت الصِّلات بينهم ، وفقدوا المودة والتناصر والتعاون الذي كان يربط بينهم في الدنيا ، لأن الغشاوة قد أزيحت عن العيون ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ، ولا يظلم ربك أحدا .
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : { لقد تقطع بينكم . . . } [ الأنعام : 94 ] .
ويقول تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } . [ الزخرف : 67 ] .
قوله تعالى : { هذا فوج مقتحم معكم } قال ابن عباس : هذا هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للكفار . هذا يعني : الأتباع ، فوج : جماعة مقتحم معكم النار ، أي : داخلوها كما أنتم دخلتموها ، والفوج : القطيع من الناس وجمعه أفواج ، والاقتحام الدخول في الشيء رمياً بنفسه فيه ، قال الكلبي : إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار ، خوفاً من تلك المقامع ، فقالت القادة : { مرحباً بهم } يعني : بالأتباع ، { إنهم صالوا النار } أي : داخلوها كما صلينا .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله:"هَذَا فَوْجٌ": هذا فرقة وجماعة مقتحمة معكم أيها الطاغون النار، وذلك دخول أمة من الأمم الكافرة بعد أمة، "لا مرحبا بهم"، وهذا خبر من الله عن قيل الطاغين الذين كانوا قد دخلوا النار قبل هذا الفوج المقتحِم للفوج المقتحَم فيها عليهم، "لا مرحبا بهم"، ولكن الكلام اتصل فصار كأنه قول واحد...
ويعني بقولهم: "لا مَرْحَبا بِهِمْ": لا اتّسعت بهم مداخلُهم...
وقوله: "إنّهُمْ صَالُوا النّارِ "يقول: إنهم واردو النار وداخلوها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
الفوج: القطيع من الناس وجمعه أفواج.
والاقتحام الدخول في الشيء رمياً بنفسه فيه، قال الكلبي: إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار، خوفاً من تلك المقامع...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ}: هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار، أي: دخل النار في صحبتكم وقرانكم.
الاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها، والقحمة: الشدة، وهذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض.
اعلم أنه تعالى لما وصف مسكن الطاغين ومأكولهم، حكى أحوالهم الذين كانوا أحباء لهم في الدنيا أولا، ثم مع الذين كانوا أعداء لهم في الدنيا ثانيا...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون ويكفر بعضهم ببعض...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{هذا} أي قال أطغى الطغاة لما دخلوها أولاً كما هم أهل له؛ لأنهم ضالون مضلون ورأوا جمعاً من الأتباع داخلاً عليهم: هذا {فوج} أي جماعة كثيفة مشاة مسرعون، ولما كانوا يدخلونها من شدة ما تدفعهم الزبانية على هيئة الواثب قال مشيراً بالتعبير بالوصف مفرداً إلى أنهم في الموافقة فيه والتسابق كأنهم نفس واحدة: {مقتحم} أي رام بنفسه في الشدة بشدة فجاءة بلا روية كائناً {معكم}.
ولما كان أهل النار يؤذي بعضهم بعضاً بالشهيق والزفير والزحام والدفاع والبكاء والعويل وما يسيل من بعضهم على بعض من القيح والصديد وغير ذلك من أنواع النكد، ولا سيما إن كانوا أتباعاً لهم في الدنيا، فصاروا مثلهم في ذلك الدخول في الرتبة، لا يتحاشون عن دفاعهم وخصامهم ونزاعهم، قالوا استئنافاً: {لا مرحباً} ثم بينوا المدعو عليه فقالوا: {بهم} وهي كلمة واقعة في أتم مواقعها؛ لأنها دالة على التضجر والبغضة مع الصدق في أهل مدلولها الذي هو مصادقة الضيق، مفعل من الرحب مصدر ميمي وهو السعة، أي لا كان بهم سعة أصلاً ولا اتسعت بهم هذه الأماكن ولا هذه الأزمان ولا حصلت لهم ولا بهم راحة، ولذلك عللوا استحقاقهم لهذا الدعاء بقولهم مؤكدين لما كان استقر في نفوسهم وتطاول عليه الزمان من إنكارهم له: {إنهم صالوا النار} أي ومن صليها صادف من الضيق ما لم يصادفه أحد وآذى كل من جاوره...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يتم المشهد بمنظر ثالث حي شاخص بما فيه من حوار: فها هي ذي جماعة من أولئك الطاغين من أهل جهنم، كانت في الدنيا متوادة متحابة، فهي اليوم متناكرة متنابذة كان بعضهم يملي لبعض في الضلال، وكان بعضهم يتعالى على المؤمنين، ويهزأ من دعوتهم ودعواهم في النعيم، كما يصنع الملأ من قريش وهم يقولون:
(أأنزل عليه الذكر من بيننا؟).. ها هم أولاء يقتحمون النار فوجاً بعد فوج وها هم أولاء يقول بعضهم لبعض: (هذا فوج مقتحم معكم).. فماذا يكون الجواب؟ يكون الجواب في اندفاع وحنق: (لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار)!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يقولون مشيرين إلى فوج من أهل النار أُقحم فيهم لَيسوا من أكفائهم ولا من طبقتهم وهم فوج الأتباع من المشركين، الذين اتبعوا الطاغين في الحياة الدنيا، وذلك ما دل عليه قوله: {أنتم قدمتموه لنا}،وأوضحُ من ذلك قوله تعالى في آخر هذه الآية {إنَّ ذلك لحقٌّ تخاصم أهلِ النَّارِ}.
الرحب في هذا كله: السعة المجازية، وهي الفرح ولقاء المرغوب في ذلك المكان بقرينة أن نفس السعة لا تفيد الزائد، وإنما قالوا ذلك؛ لأنهم كرهوا أن يكونوا هم وأتباعهم في مكان واحد جرياً على خلق جاهليتهم من الكبرياء واحتقار الضعفاء...
ولما كان مما أفهمه الكتاب في هذا الخطاب أن الطاغين الداخلين إلى جهنم أصناف كثيرة ، وكانت العادة جارية بأن الأصناف إذا اجتمعوا كانت بينهم محاورات ولا سيما إن كانوا من الطغاة العتاة ، تحرك السامع إلى تعرف ذلك فقال تعالى مستأنفاً جوابه بما يدل على تقاولهم بأقبح المقاولة وهو التخاصم الناشىء عن التباغض والتدابر الذي من شأنه أن يقع بين الذين دبروا أمراً فعاد عليهم بالوبال في أن كلاًّ منهم يحيل ما وقع به العكس على صاحبه ، وذلك أشد لعذابهم : { هذا } أي قال أطغى الطغاة لما دخلوها أولاً كما هم أهل له لأنهم ضالون مضلون ورأوا جمعاً من الأتباع داخلاً عليهم : هذا { فوج } أي جماعة كثيفة مشاة مسرعون . ولما كانوا يدخلونها من شدة ما تدفعهم الزبانية على هيئة الواثب قال مشيراً بالتعبير بالوصف مفرداً إلى أنهم في الموافقة فيه والتسابق كأنهم نفس واحدة : { مقتحم } أي رام بنفسه في الشدة بشدة فجاءة بلا روية كائناً { معكم } .
ولما كان أهل النار يؤذي بعضهم بعضاً بالشهيق والزفير والزحام والدفاع والبكاء والعويل وما يسيل من بعضهم على بعض من القيح والصديد وغير ذلك من أنواع النكد ، ولا سيما إن كانوا أتباعاً لهم في الدنيا ، فصاروا مثلهم في ذلك الدخول في الرتبة ، لا يتحاشون عن دفاعهم وخصامهم ونزاعهم ، قالوا استئنافاً : { لا مرحباً } ثم بينوا المدعو عليه فقالوا : { بهم } وهي كلمة واقعة في أتم مواقعها لأنها دالة على التضجر والبغضة مع الصدق في أهل مدلولها الذي هو مصادقة الضيق ، مفعل من الرحب مصدر ميمي وهو السعة ، أي لا كان بهم سعة أصلاً ولا اتسعت بهم هذه الأماكن ولا هذه الأزمان ولا حصلت لهم ولا بهم راحة ، ولذلك عللوا استحقاقهم لهذا الدعاء بقولهم مؤكدين لما كان استقر في نفوسهم وتطاول عليه الزمان من إنكارهم له : { إنهم صالوا النار * } أي ومن صليها صادف من الضيق ما لم يصادفه أحد وآذى كل من جاوره .