دين الحق : الملة السمحة : ( الإسلام ) .
على الدين كله : على سائر الأديان .
9- { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } .
فالله هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، حاملا دين الهداية ، ودين الحق والعدل ، ليكون هذا الدين الإسلامي كلمة الله الأخيرة إلى خلقه .
فقد أرسل الله الرسل ، وأنزل الكتب والصحف ، وأنزل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، وجعل الإسلام هو الرسالة الكاملة الأخيرة التي تتوافق مع العقل والنقل ، وتُناسب كل زمان ومكان ، لاتفاق الإسلام مع الفطرة .
قال أبو السعود : لقد أنجز الله وعده بإعزاز دين الإسلام ، حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام ، وقد ذكر القرطبي ذلك في تفسيره ، وأفاض ( في ظلال القرآن ) في شرح الآيات .
قوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } أي محمدا بالحق والرشاد ، { ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } أي بالحجج ، ومن الظهور الغلبة باليد في القتال ، وليس المراد بالظهور ألا يبقى دين آخر من الأديان ، بل المراد يكون أهل الإسلام عالين غالبين . ومن الإظهار ألا يبقى دين سوى الإسلام في آخر الزمان . قال مجاهد : وذلك إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض دين إلا دين الإسلام . وقال أبو هريرة : { ليظهره على الدين كله } بخروج عيسى . وحينئذ لا يبقى كافر إلا أسلم . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القِلاَص{[14945]} فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليَدْعُوَنّ إلى المال فلا يقبله أحد ) . وقيل : " ليظهره " أي ليطلع محمدا صلى الله عليه وسلم على سائر الأديان ، حتى يكون عالما بها عارفا بوجوه بطلانها ، وبما حرفوا وغيروا منها . " على الدين " أي الأديان ؛ لأن الدين مصدر يعبر به عن جمع .
ولما أخبر بذلك ، علله بما هو شأن كل ملك فكيف بالواحد في ملكه فقال : { هو } أي الذي ثبت أنه جامع لصفات الجمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير ، { الذي أرسل }{[65065]} بما له من القوة والإرادة{[65066]} { رسوله } أي الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته ، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى { بالهدى } أي البيان الشافي { ودين الحق } أي الملك الذي ثباته لا يدانيه ثبات ، فلا ثبات لغيره ، فثبات هذا الدين بثباته ، ويجوز أن يكون المعنى : والدين الذي هو الحق الثابت في الحقية{[65067]} الكامل فيها كمالاً ليس لغيره ، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته إشارة إلى شدة التباسه بها{[65068]} { ليظهره } أي يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع { على الدين } أي جنس الشريعة التي تجعل ليجازي من يسلكها و{[65069]}من يزيغ{[65070]} عنها ، بها يشرع فيها من الأحكام { كله } فلا يبقى دين إلا كان دونه وانمحق به وذل أهله له ذلاً لا يقاس به ذل ، { ولو كره } أي{[65071]} إظهاره { المشركون * } أي المعاندون في كفرهم{[65072]} الراسخون في تلك المعاندة ، وأعظم مراد بهذا أهل العناد ببدعة الاتحاد ، فإنهم ما تركوا شيئاً مما سواه حتى أشركوا به - تعالى الله{[65073]} عما يقولون علواً كبيراً ، - وهم مع بعد نحلتهم من العقول وفسادها من الأوهام ومصادمتها لجميع النقول في غاية الكثرة لمصير الناس إلى ما وعد الله ورسوله - وصدق الله ورسوله{[65074]} - من أن أكثرهم قد مرجت عهودهم{[65075]} وخفيت أماناتهم{[65076]} وصاروا حثالة كحثالة التمر لا يعبأ الله بهم ، لكنهم على كثرتهم بما تضمنته هذه الآية في أمثالها في غاية الذل ولله الحمد لا عز لهم إلا بإظهار الاتباع للكتاب{[65077]} والسنة وهم يعلمون أنهم يكذبون في هذه الدعوى لأنهم في غاية المخالفة لهما{[65078]} بحيث يعتقدون أنهما شرك لإثباتهما لله تعالى وجوداً يخالف وجود الخلق وهم يقولون مكابرة للضرورة أن الوجود واحد وأنه لا موجود ظاهراً وباطناً سواه ، ولذلك سموا الوجود به ثم{[65079]} لا يردهم علمهم بذلهم وأنهم لا عز لهم إلا بحمى الشريعة عن ضلالهم فأعجب لذلك وألجأ إلى الله تعالى بسؤال العافية ، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، وضربهم بالذل مع كثرتهم في {[65080]}غاية الدلالة على الله سبحانه لأن الملك الكامل القدرة لا يقر من يطعن في ملكه ويسعى في رد رسالته وإهانة رسله ولقد أنجز سبحانه كثيراً من وعده بما دل{[65081]} - لكونه تغليباً على أقوى الملوك من الأكاسرة والقياصرة{[65082]} - على القدرة على الباقين ، وذلك أنه لما تقاعد قومه عن نصرته وانتدبوا لتكذيبه وجحدواما شاهدوه من صدقه يسر{[65083]} الله له أنصاراً من أمته هم {[65084]}نزاع القبائل{[65085]} وأجاد الأفاضل وسادات الأماثل فبلغوا في تأييده أقصى الأمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.