تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ} (10)

المفردات :

للعسرى : للعسر والعنت والمشقة .

التفسير :

10- فسنيسّره للعسرى .

أي : نمنعه من التوفيق والهدى والرغبة في الخير ، فتكون الطاعات أعسر شيء عليه ، ويكون طريق الشر ميسورا بين يديه .

كما قال تعالى : ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة . . . ( الأنعام : 110 ) .

قال ابن كثير :

والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يجازي من قصد الخير بالتوفيق ، ومن قصد الشر بالخذلان ، وكل ذلك بقدر مقدّر .

والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة ، منها ما رواه البخاري ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة ، فقال : ( ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ) ، فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نتّكل ؟ فقال : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) ، ثم قرأ : فأما من أعطى واتّقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذّب بالحسنى* فسنيسره للعسرىiii .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ} (10)

{ وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضي الله ، فيستوجب به النار . قال مقاتل : نعسر عليه أن يأتي خيراً . وروينا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نفس منفوسة إلا كتب الله مكانها من الجنة أو النار ، فقال رجل : أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء ، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، ثم تلا : { فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى } " قيل : نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالاً من أمية ابن خلف ببردة وعشرة أوراق ، فأعتقه فأنزل الله تعالى : { والليل إذا يغشى } إلى قوله : { إن سعيكم لشتى } أي : سعي أبي بكر وأمية . وروى علي بن حجر عن إسحاق عن أبي نجيح عن عطاء ، قال : " كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في داره ، وكان صبيانه يتناولون منه ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بعنيها بنخلة في الجنة فأبى ، فخرج فلقيه أبو الدحداح ، فقال له : هل لك أن تبيعها بحش ، يعني حائطاً له ، فقال له : هي لك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة ؟ قال : نعم قال : هي لك ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم جار الأنصاري فقال : خذها . فأنزل الله تعالى : { والليل إذا يغشى } إلى قوله : { إن سعيكم لشتى } أبو الدحداح والأنصاري صاحب النخلة " . { فأما من أعطى واتقى } أبو الدحداح ، { وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى } يعني الجنة ، { وأما من بخل واستغنى } أي الأنصاري ، { وكذب بالحسنى } يعني الثواب ، { فسنيسره للعسرى }يعني النار .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ} (10)

{ فسنيسره للعسرى } أي نخذله حتى يعمل بما يؤديه إلى العذاب والأمر العسير

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ} (10)

" فسنيسره " أي نسهل طريقه . . . " للعسرى " أي للشر . وعن ابن مسعود : للنار . وقيل : أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها . وقد تقدم أن الملك ينادي صباحا ومساء : [ اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا ] . رواه أبو الدرداء .

مسألة : قال العلماء : ثبت بهذه الآية وبقوله : " ومما رزقناهم ينفقون{[16111]} " [ البقرة : 3 ] ، وقوله : " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية{[16112]} " [ البقرة : 274 ] إلى غير ذلك من الآيات - أن الجود من مكارم الأخلاق ، والبخل من أرذلها . وليس الجواد الذي يعطي في غير موضع العطاء ، ولا البخيل الذي يمنع في موضع المنع ، لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء ، والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء ، فكل من استفاد بما يعطي أجرا وحمدا فهو الجواد . وكل من استحق بالمنع ذما أو عقابا فهو البخيل . ومن لم يستفد بالعطاء أجرا ولا حمدا ، وإنما استوجب به ذما فليس بجواد ، وإنما هو مسوف مذموم ، وهو من المبذرين الذين جعلهم اللّه إخوان الشياطين ، وأوجب الحجر عليهم . ومن لم يستوجب بالمنع عقابا ولا ذما ، واستوجب به حمدا ، فهو من أهل الرشد ، الذين يستحقون القيام على أموال غيرهم ، بحسن تدبيرهم وسداد رأيهم .

الرابعة- قال الفراء : يقول القائل : كيف قال : " فسنيسره للعسرى " ؟ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل : " فبشرهم بعذاب أليم{[16113]} " [ آل عمران : 21 ] ، والبشارة في الأصل على المفرح والسار ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاءت البشارة فيهما . وكذلك التيسير في الأصل على المفرح ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاء التيسير فيهما جميعا . قال الفراء : وقوله تعالى : " فسنيسره " : سنهيئه . والعرب تقول : قد يسرت الغنم : إذا ولدت أو تهيأت للولادة . قال :

هما سيدانا يزعمان وإنما *** يسودانِنا أنْ يَسَّرتْ غَنَمَاهما{[16114]}


[16111]:آية 3 سورة البقرة.
[16112]:آية 274 سورة البقرة.
[16113]:آية 21 سورة آل عمران.
[16114]:البيت لأبي أسيدة الدبيرى. وقبله. إن لنا شيخين لا ينفعاننا *** غنيين لا يجدي علينا غناهما
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ} (10)

ولما كان جامداً مع المحسوسات كالبهائم قال : { فسنيسره } أي نهيئه بما لنا من العظمة بوعد لا خلف فيه { للعسرى * } أي للخصلة التي هي أعسر الأشياء وأنكدها ، وهي العمل بما يغضبه سبحانه الموجب لدخول النار وما أدى إليه ، وأشار بنون العظمة في كل من نجد الخير ونجد الشر إلى أن ارتكاب الإنسان لكل منهما في غاية البعد ، أما نجد الخير فلما حفه من المكاره ، وأما نجد الشر فلما في العقل والفطرة الأولى من الزواجر عنه ، وذلك كله أمر قد فرغ منه في الأزل بتعيين أهل السعادة وأهل الشقاوة " وكل كما قال صلى الله عليه وسلم - ميسر لما خلق له " .