فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ} (10)

{ فسنيسره للعسرى } أي فسنهيئه للخصلة العسرى ونسهلها له حتى يتعسر عليه أسباب الخير والصلاح ويضعف عن فعلها فيؤديه ذلك إلى النار ، قال مقاتل يعسر عليه أن يعطي خيرا ، قيل العسرى الشر ، وذلك أن الشر يؤدي إلى العذاب ، والعسرة في العذاب والمعنى سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه ، قال الفراء سنيسره سنهيئه ، والعرب تقول قد يسرت الغنم إذا ولدت أو تهيأت للولادة ، قال ابن عباس للعسرى للشر من الله وقيل للنار .

وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن علي بن أبي طالب قال " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل ؟ فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء ثم قرأ فأما من أعطى ، إلى قوله ، للعسرى " .

وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله أن سراقة بن مالك قال " يا رسول الله في أي شيء يعمل ، أفي شيء ثبتت فيه المقادير وجرت به الأقلام أم في شيء يستقبل فيه العمل ، قال بل في شيء ثبتت فيه المقادير ، وجرت فيه الأقلام ، قال سراقة : ففيم العمل إذن يا رسول الله ؟ قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية فأما من أعطى ، إلى آخرها "

وقد تقدم حديث عمران بن حصين في السورة التي قبل هذه ، وفي الباب أحاديث من طريق جماعة من الصحابة قال الفراء : لقائل أن يقول كيف قال ذلك وهل في العسرى تيسير ؟ انتهى .

وإيضاح الجواب عن هذا ما ورد في الحديث " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " أي عليكم بشأن العبودية وما خلقتم لأجله وأمرتم به ، وكلوا أمور الربوبية الغيبية إلى صاحبها فلا عليكم بشأنها ، ونظيره الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب ، والأجل المضروب في العمر مع المعالجة بالطب ، فإنك تجد المغيب فيهما علة موجبة ، والظاهر البادي سببا مخيلا وقد اصطلح الناس خاصتهم وعامتهم أن الظاهر فيهما لا يترك بسبب الباطن ، قاله الكرخي .