تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

63

المفردات :

نعمره : نطل عمره .

ننكسه في الخلق : نقلبه فيه ، فلا يزال ضعفه يتزايد ، وانتقاص بنيته يكثر ، بعكس ما كان عليه في بدء أمره ، حتى يُرَّد إلى أرذل العمر .

التفسير :

68 – { ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون } .

أي : ماذا ينتظر هؤلاء الكافرون الذين أعرضوا عن الهدى ، واستمروا في هذا الضلال ، إن الله تعالى إن شاء أعماهم أو مسخهم ، وحتى إذا تركوا على حالهم فلا بد أن تتقدم بهم السنّ ، حيث يردون إلى أرذل العمر ، فتضعف قواهم ، ويتحلون من النموّ والزيادة في حالة الطفولة والشباب ، إلى النقص والذبول في حالة الشيخوخة ، حيث يضعف السمع والبصر والجوارح .

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر " 27

وفي معنى الآية قوله تعالى : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير } . [ الروم : 54 ] .

وقوله سبحانه : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا . . . } [ الحج : 5 ]

قال ابن كثير في تفسير الآية :

والمراد من هذا – والله أعلم – الإخبار عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال ، لا دار دوام واستقرار ، ولهذا قال عز وجلّ : { أفلا يعقلون } ؟

أي : يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ، ثم إلى الشيخوخة ، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى ، لا زوال لها ، ولا انتقال منها ، ولا محيد عنها ، وهي الدار الآخرة 28 .

وجاء في هوامش المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما يأتي :

ومن نطل عمره نردّه إلى عكس ما كان عليه من القوة ، فيصبح ضعيفا ، وذلك لأن حياة الإنسان تأخذ ثلاث مراحل : نموّ ، ونضج ، وضمور النسيج الحشوي ، في الكلي والكبد والغدّة الدرقية والبنكرياس ، وهذا له أثر في إضعاف الجسم كله ، وتبدأ كذلك الشرايين في التصلّب والضمور ، وبذلك يقلّ الدم الذاهب إلى جميع أعضاء الجسم ، فيزيده ضعفا على ضعف ، ومن أسباب الشيخوخة زيادة قوى الهدم ، على قوى البناء في الجسم ، MCTABOLISM وذلك أن خلايا الجسم كلها في تغير مستمر ، وكذلك خلايا الدم ، ما عدا خلايا المخ والنخاع ، فإنها لا تتغير مدى الحياة ، فإذا كانت نسبة تجدد الخلايا كنسبة هلاكها ، لا تظهر الأعراض ، أما إذا زادت نسبة هلاك الخلايا ، على تجددها في أي عضو ، ظهر ضمور هذا العضو ، وعلى ذلك فكلما تقدمت السنّ تضاءلت نسبة التجدد ، وزادت نسبة الانحلال الخلوي ، وظهر الضمور العام ، وتختلف نسبة التجدد والضمور باختلاف نوع الأنسجة ، فالظاهر منها كالبشرة الكاسية للجسم ، والغشية المبطنة للقنوات الهضمية ، وقنوات الغدد ، تضمر بنسبة أكبر ، كلما تقدمت السنّ بالإنسان ، وهذا هو السبب المباشر لأعراض الشيخوخة . 29

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

شرح الكلمات :

{ ومن نعمره ننكسه في الخلق } : أي ومن نطل عمره ننكسه في الخلق فيكون بعد قوته ضعيفا عاجزاً .

{ أفلا يعقلون } : أي أن القادر على ما ذكرنا لكم قادر على بعثكم بعد موتكم .

: فتؤمنون وتوحدون فتنجون من العذاب وتسعدون .

المعنى :

وقوله تعالى { ومن نعمرّه ننكسه في الخلق أفلا يعقلون } فنرده رأسا على عقب فكما كان طفلا ينمو شيئا فشيئا في قواه العقلية والبدنية حتى شب واكتهل فكذلك ننكسه في خلقه فيأخذ يضعف في قواه العقلية والبدنيّة يوما فيوما حتى يصبح أضعف عقلا وبدنا منه وهو طفل .

وقوله أفلا تعقلون أيها المكذبون المجرمون أن القادر على هذا وغيره وعلى كل شيء يريده قادر على أن يحييكم بعد موتكم ويبعثكم من قبوركم ويحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم .

الهداية :

من الهداية :

- مظاهر قدرة الله تعالى في رد الإِنسان بعد القوة إلى حالة الضعف الأولى .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

ولما كانت هذه أموراً فرضية يتأتى لبعض المعاندين اللد الطعن فيها مكابرة ، وكان كونه صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة مانعاً من المفأجاة بالتعذيب بعذاب الاستئصال بها ، دل عليها بما يشاهدونه من باهر قدرته وغريب حكمته في صنعته ، فقال دالاً بالعاطف على غير معطوف عليه ظاهر على أن التقدير : فقد خلقناهم نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم أولدناهم لا يعلمون شيئاً ولا يقدرون على شيء ، ثم درجناهم في أطوار الأسنان معلين لهم في معارج القوى الظاهرة والباطنة إلى أن صاروا إلى حد الأشد - وهو استكمال القوى البشرية - فأوقفنا قواهم الظاهرة والباطنة ، فلم نجر العادة بأن نحدث فيهم إذ ذاك قوة لم تكن أيام الشباب : { ومن نعمره } أي نطل عمره إطالة كبيرة منهم بعد ذلك { ننكسه } وقراءة عاصم وحمزة بضم أوله وفتح ثانيه وكسر الكاف مشددة دالة على تفاوت الناس في النكس ، ولم يقل " في خلقه " لئلا يظن أن المراد أن المعمر له خلق أنشأه وأبدعه { في الخلق } أي فيما أبدعناه من تقدير بدنه وروحه أي نرده على عقبه نازلاً في المدارج التي أصعدناه فيها إلى أن تضمحل قواه الحسية فيكون كالطفل فلا يقدر على شيء ، والمعنوية فلا يعلم شيئاً ، ومن قدر على مثل هذا التحويل من حالة إلى أخرى لم تكن طرداً وعكساً قدر على مثل ما مضى من التحويل بلا فرق ، غير أنهم لكثرة إلفهم لذلك صيره عندهم هيناً ، ولقلة وجود الأول صيره عندهم بعيداً ، ولذلك سبب عن الكلام قوله : على الأسلوب الماضي في قراءة الجماعة ولفتاً إلى الخطاب عند المدنيين ويعقوب لأنه أقرب إلى الاستعطاف وإعلاماً بأن الوعظ عام لكل صالح للخطاب : { أفلا يعقلون * } وقال بعض العارفين : قيد بالخلق احترازاً عن الأمر ، فإن المؤتمر كلما زاد سنّاً ازداد لربه طاعة وبه علماً ، يعني أن النكس في البدن أمر لا بد منه ، وأما في المعارف فتارة وتارة .