نور الله : الحق الذي جاء به الرسول ، من مثل قولهم : هذا سحر مفترى .
متمّ نوره : متمّ الحق ، ومبلّغه غايته .
جاء في تفسير القرطبي : حكى الماوردي ، عن عطاء ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوما ، فقال كعب بن الأشرف : يا معشر اليهود أبشروا ، فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه ، وما كان ليتمّ أمره ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، واتصل الوحي بعدها .
8- { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } .
يريد المشركون بمكة واليهود بالمدينة أن يطفئوا نور دين الله ، وهو الإسلام ، وأن يوقفوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنّى لهم ذلك ، فهم كمن يحاول أن يطفئ نور الشمس بنفخة من فمه ، أو من يريد أن يضرم النار في الرماد ، أو كمن يريد أن يصطاد العنقاء ، وهو مثل يضرب لمن يريد عمل المستحيل .
أرى العنقاء تكبر أن تُصادا *** فعاند من تطيق له عنادا
{ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } .
تكفل الله تعالى بنصرة هذا الدين ، وحفظ القرآن الكريم ، ما دام أهله قائمين بأمر الله ، واتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وقد انتصر الإسلام في مكة والمدينة والجزيرة العربية ، وامتد إلى بلاد الفرس والروم ، ومصر وشمال أفريقيا وآسيا ، ودانت له معظم الرقعة المعمورة في الأرض في مدى قرن من الزمان .
" ثم زحف زحفا سلميا بعد ذلك إلى قلب آسيا وأفريقيا ، حتى دخل فيه بالدعوة المجردة خمسة أضعاف من دخلوا في إبان الحركات الجهادية الأولى " xiii .
لقد أكمل الله للمسلمين دينهم ، وأتمّ عليهم نعمته ، ورضي لهم الإسلام دينا ، يحبونه ويجاهدون في سبيله ، لقد جرى قدر الله أن يظهر هذا الدين ، فنشره الله في الآفاق ، وأعلاه على الأديان .
روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإنّ ملك أمتي ما زُوي لي منها " xiv
ومعنى : " زوى لي الأرض " ، أي : جمعها حتى رآها النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : أن هذا الدين سينتشر في مشارق الأرض ومغاربها .
وقد كان سبب نزول الآية أن الوحي تأخر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما ، ففرح كعب بن الأشرف ، وبشّر اليهود بانتهاء أمر محمد ، فأنزل الله هذه الآية ، واتصل الوحي بعدها ، وانتصر الإسلام على اليهودية الحاقدة في غزوات بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير ، ثم فتحت خيبر .
وحاولت اليهودية الحاقدة بأصابعها وكيدها النيل من دولة الخلافة ، وزيّفت بطلا هو كمال أتاتورك ، وتحاول الآن اتباع أجزاء كبيرة من فلسطين ، لكن انتفاضة الشعب الفلسطيني مستمرة ، وأكتب الآن هذه السطور في شوال 1421ه - يناير 2001 والانتفاضة الفلسطينية مستمرة ، تقدم الشهداء كل يوم أمام عنت الصهيونية وتجبّرها ، واستخدامها الأسلحة المحرمة دوليا .
والأمل في الله أن يجمع شمل العرب والمسلمين ، وأن يُثبّت أقدامهم ، وأن ينزل عليهم نصره وفضله ومعونته ، إنه سبحانه : نعم المولى ونعم النصير . ( الأنفال : 40 ) .
قوله : { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم } ذلك تهكم بالكافرين السفهاء في إرادتهم القضاء على الإسلام بافتراءاتهم وأكاذيبهم عليه وبإثارة الظنون والأقاويل والأباطيل من حوله . وقد شبّه حالهم من الكيد للإسلام لإذهابه واستئصاله من الأرض بمن ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه . فما يستطيع النافخ بفيه أن يطفئ ضياء الشمس المشرق المشعشع الذي يملك بسطوعه وشديد إشراقه آفاق الدنيا .
على أن المراد بنور الله ، القرآن أو الإسلام أو نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، أو آيات الله من الدلائل والحجج الظاهرة . والأظهر أن يكون المراد بنور قرآنه الحكيم وما يصدر عنه من دين عظيم شامل وهو الإسلام بعقيدته الراسخة السمحة ، ونظامه الوارف الشاسع الذي جاء متضمنا لكل معاني الخير والرحمة والعدل والبر والفضيلة وفيه من أسباب العلاج والهداية والتوفيق ما تهتدي به البشرية على مرّ الزمن ، لتكون آمنة سالمة راضية مطمئنة . وذلكم هو نور الله الذي يريد الظالمون الخاسرون من دعاة الشر والرذيلة والباطل أن يطفئوه بأفواههم لتتبدد حقيقته ومعالمه ، وتنمحي عينه وظواهره وآثاره ، وتنكسر شوكته أيما انكسار ، وذلك بمختلف الأساليب من التشويه والتشكيك والافتراء والأراجيف وغير ذلك من أسباب القمع والتنكيل والتقتيل للمسلمين .
قوله : { والله متمّ نوره ولو كره الكافرون } الله مظهر دينه الإسلام . دين الحق والعدل والتوحيد . مظهره في العالمين ليشرق ضياؤه في الآفاق وليشعشع نوره الساطع يملأ الدنيا . وذلكم وعد من الله غير مكذوب ولن يخلف الله وعده ، فلقد ملأ الإسلام الأرض والآفاق وشاعت معانيه وأحكامه وكلماته حتى عمت سائر أنحاء العالم . وإذا ما انتكس المسلمون في كثير من الأحوال والمراحل فخبا بانتكاسهم نور الإسلام ، فإن هذا الدين العظيم ما يلبث – بخصائصه المميزة الكبرى- أن يعلو ويشيع ويستطير ليتجدد فيه الظهور والاستعلاء والشموخ من جديد فيعم الدنيا بنوره وعدله وفضله . وذلك بالرغم من كراهية المشركين الظالمين المتربصين . وبالرغم مما يكيدونه للإسلام من مختلف المكائد والمؤامرات والحيل لإضعافه وتدميره . فما يبوء تربصهم اللئيم ومكائدهم وأساليبهم الماكرة الخبيثة إلا بالخسران والفشل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.