تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يُرِيدُونَ لِيُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (8)

المفردات :

نور الله : الحق الذي جاء به الرسول ، من مثل قولهم : هذا سحر مفترى .

متمّ نوره : متمّ الحق ، ومبلّغه غايته .

سبب نزول الآية ( 8 ) :

جاء في تفسير القرطبي : حكى الماوردي ، عن عطاء ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوما ، فقال كعب بن الأشرف : يا معشر اليهود أبشروا ، فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه ، وما كان ليتمّ أمره ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، واتصل الوحي بعدها .

التفسير :

8- { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } .

يريد المشركون بمكة واليهود بالمدينة أن يطفئوا نور دين الله ، وهو الإسلام ، وأن يوقفوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنّى لهم ذلك ، فهم كمن يحاول أن يطفئ نور الشمس بنفخة من فمه ، أو من يريد أن يضرم النار في الرماد ، أو كمن يريد أن يصطاد العنقاء ، وهو مثل يضرب لمن يريد عمل المستحيل .

قال الشاعر :

أرى العنقاء تكبر أن تُصادا *** فعاند من تطيق له عنادا

{ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } .

تكفل الله تعالى بنصرة هذا الدين ، وحفظ القرآن الكريم ، ما دام أهله قائمين بأمر الله ، واتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وقد انتصر الإسلام في مكة والمدينة والجزيرة العربية ، وامتد إلى بلاد الفرس والروم ، ومصر وشمال أفريقيا وآسيا ، ودانت له معظم الرقعة المعمورة في الأرض في مدى قرن من الزمان .

" ثم زحف زحفا سلميا بعد ذلك إلى قلب آسيا وأفريقيا ، حتى دخل فيه بالدعوة المجردة خمسة أضعاف من دخلوا في إبان الحركات الجهادية الأولى " xiii .

لقد أكمل الله للمسلمين دينهم ، وأتمّ عليهم نعمته ، ورضي لهم الإسلام دينا ، يحبونه ويجاهدون في سبيله ، لقد جرى قدر الله أن يظهر هذا الدين ، فنشره الله في الآفاق ، وأعلاه على الأديان .

روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإنّ ملك أمتي ما زُوي لي منها " xiv

ومعنى : " زوى لي الأرض " ، أي : جمعها حتى رآها النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : أن هذا الدين سينتشر في مشارق الأرض ومغاربها .

وقد كان سبب نزول الآية أن الوحي تأخر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما ، ففرح كعب بن الأشرف ، وبشّر اليهود بانتهاء أمر محمد ، فأنزل الله هذه الآية ، واتصل الوحي بعدها ، وانتصر الإسلام على اليهودية الحاقدة في غزوات بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير ، ثم فتحت خيبر .

وحاولت اليهودية الحاقدة بأصابعها وكيدها النيل من دولة الخلافة ، وزيّفت بطلا هو كمال أتاتورك ، وتحاول الآن اتباع أجزاء كبيرة من فلسطين ، لكن انتفاضة الشعب الفلسطيني مستمرة ، وأكتب الآن هذه السطور في شوال 1421ه - يناير 2001 والانتفاضة الفلسطينية مستمرة ، تقدم الشهداء كل يوم أمام عنت الصهيونية وتجبّرها ، واستخدامها الأسلحة المحرمة دوليا .

والأمل في الله أن يجمع شمل العرب والمسلمين ، وأن يُثبّت أقدامهم ، وأن ينزل عليهم نصره وفضله ومعونته ، إنه سبحانه : نعم المولى ونعم النصير . ( الأنفال : 40 ) .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يُرِيدُونَ لِيُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (8)

{ يريدون ليطفئوا نور الله } ذكر في براءة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يُرِيدُونَ لِيُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (8)

قوله : { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم } ذلك تهكم بالكافرين السفهاء في إرادتهم القضاء على الإسلام بافتراءاتهم وأكاذيبهم عليه وبإثارة الظنون والأقاويل والأباطيل من حوله . وقد شبّه حالهم من الكيد للإسلام لإذهابه واستئصاله من الأرض بمن ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه . فما يستطيع النافخ بفيه أن يطفئ ضياء الشمس المشرق المشعشع الذي يملك بسطوعه وشديد إشراقه آفاق الدنيا .

على أن المراد بنور الله ، القرآن أو الإسلام أو نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، أو آيات الله من الدلائل والحجج الظاهرة . والأظهر أن يكون المراد بنور قرآنه الحكيم وما يصدر عنه من دين عظيم شامل وهو الإسلام بعقيدته الراسخة السمحة ، ونظامه الوارف الشاسع الذي جاء متضمنا لكل معاني الخير والرحمة والعدل والبر والفضيلة وفيه من أسباب العلاج والهداية والتوفيق ما تهتدي به البشرية على مرّ الزمن ، لتكون آمنة سالمة راضية مطمئنة . وذلكم هو نور الله الذي يريد الظالمون الخاسرون من دعاة الشر والرذيلة والباطل أن يطفئوه بأفواههم لتتبدد حقيقته ومعالمه ، وتنمحي عينه وظواهره وآثاره ، وتنكسر شوكته أيما انكسار ، وذلك بمختلف الأساليب من التشويه والتشكيك والافتراء والأراجيف وغير ذلك من أسباب القمع والتنكيل والتقتيل للمسلمين .

قوله : { والله متمّ نوره ولو كره الكافرون } الله مظهر دينه الإسلام . دين الحق والعدل والتوحيد . مظهره في العالمين ليشرق ضياؤه في الآفاق وليشعشع نوره الساطع يملأ الدنيا . وذلكم وعد من الله غير مكذوب ولن يخلف الله وعده ، فلقد ملأ الإسلام الأرض والآفاق وشاعت معانيه وأحكامه وكلماته حتى عمت سائر أنحاء العالم . وإذا ما انتكس المسلمون في كثير من الأحوال والمراحل فخبا بانتكاسهم نور الإسلام ، فإن هذا الدين العظيم ما يلبث – بخصائصه المميزة الكبرى- أن يعلو ويشيع ويستطير ليتجدد فيه الظهور والاستعلاء والشموخ من جديد فيعم الدنيا بنوره وعدله وفضله . وذلك بالرغم من كراهية المشركين الظالمين المتربصين . وبالرغم مما يكيدونه للإسلام من مختلف المكائد والمؤامرات والحيل لإضعافه وتدميره . فما يبوء تربصهم اللئيم ومكائدهم وأساليبهم الماكرة الخبيثة إلا بالخسران والفشل .