تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

المفردات :

مصدقا لما بين يدي من التوراة : مصدقا لما تقدمني وجاء قبلي من التوراة .

التفسير :

6- { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } .

واذكر حين قال عيسى ابن مريم لبني إسرائيل : إني رسول الله إليكم ، فهذه سلسلة الرسالات ، كلها من عند الله ، وعيسى يؤيد الشرع والناموس الذي سبقه ، ويبشر بأحمد الذي يأتي بعده .

وقد بشّرت التوراة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الإنجيل .

قال تعالى : { الذين يتبعون الرسول النبي الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . . . }

( الأعراف : 157 ) .

وأقرّ بعض المخلصين من علمائهم الذين اسلموا بهذه الحقيقة ، وأن اليهود كانوا يتواصون بكتمها . وأناجيل النصارى تذكر هذه البشارة ، وكذلك التوراة ، حيث جاء في الفصل العشرين منن السِّفر الخامس من التوراة :

( أقبل الله من سيناء ، وتجلّى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، معه الربوات الأطهار عن يمينه ) .

وسيناء مهبط الوحي على موسى ، وساعير مهبط الوحي على عيسى ، وفاران جبال مكة ، مهبط الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم .

وجاء في إنجيل يوحنا ، في الفصل الخامس عشر :

( قال يسوع المسيح : إنّ الفار قليط روح الحق ، الذي يرسله أبي ، يعلّمكم كل شيء ) .

والفارقليط : لفظ يدل على الحمد ، وهو إشارة إلى احمد ومحمد ، اسمي النبي صلى الله عليه وسلم .

وفي الصحيحين ، أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال : " إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي – أي بعدي – وأنا العاقب " . iv ، أي : الآخر الآتي بعد الأنبياء .

وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا محمد ، وأنا أحمد ، والحاشر ، والمقفّى ، ونبي الرحمة والتوبة والملحمة " v .

تلك بشارات الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لكن حين ظهر أنكره المنكرون ، وادعوا أن رسالته سحر وكذب .

{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } .

فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الواضحات وبالقرآن المبين ، قال اليهود قوم موسى ، والنصارى قوم عيسى : هذا سحر واضح لا شك فيه .

وقيل : معنى الآية : فلما جاء عيسى قومه بالبينات والمعجزات قال المكذبون له : هذا الذي جاءنا به سحر واضح ظاهر .

بشارة الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم

كانت دعوة إبراهيم عليه السلام أن يرسل في العرب رسولا منهم ، يقرأ عليهم آيات الله ، ويطهرهم ويعلمهم القرآن والسنة المطهرة ، وعلى لسان إبراهيم الخليل يأتي هذا الدعاء : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } . ( البقرة : 129 ) .

من تفسير ابن كثير

وقال محمد بن إسحاق ، عن خالد بن معدان ، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك ، قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام " vi .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني عند الله لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك ، دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين " vii .

وروى أحمد ، عن أبي أمامة قال : قلت : يا رسول الله ، ما كان بدء أمرك ؟ قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام " viii

وقال عبد الله بن مسعود ، بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا ، منهم : عبد الله بن مسعود وجعفر وعبد الله بن رواحة وعثمان بن مظعون وأبو موسى ، فأتوا النجاشي ، وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية ، فلما دخلا على النجاشي سجدا له ، ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ، ثم قالا له : إن نفرا من بني عمّنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا ، قال : فأين هم ؟ قالا : هم في أرضك ، فابعث إليهم ، فبعث إليهم ، فقال جعفر : أنا خطيبكم اليوم ، فاتبعوه ، فسلّم ولم يسجد ، فقالوا له : مالك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله عز وجل ، قال : وما ذاك ؟ قال : إن الله بعث إلينا رسوله ، فأمرنا ألا نسجد لأحد إلا لله عز وجل ، وأمرنا بالصلاة والزكاة . قال عمرو بن العاص : فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم ، قال : ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمه ؟ قال : نقول كما قال الله عز وجل : هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ، ولم يعترضها ولد ، قال : فرفع عودا من الأرض ، ثم قال : يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يساوي هذا ، مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده ، أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي نجده في الإنجيل ، وأنه الذي بشّر به عيسى ابن مريم ، انزلوا حيث شئتم ، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعيله ، وأوضئه ، وأمر بهدية الآخرين فردت إليهما " ix .

والمقصد أ الأنبياء عليهم السلام لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها من أممها وتأمرهم باتباعه ومؤازرته إذا بُعث ، وكان أول ما اشتهر الأمر في الأرض على لسان إبراهيم الخليل والد الأنبياء بعده ، حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا على لسان عيسى ابن مريم ، ورؤيا أمي التي رأت " . أي ظهر في أهل مكة أثر ذلك ، والإرهاص ، فذكره صلوات الله عليه .

وقوله تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } .

قال ابن جريج : فَلَمَّا جَاءَهُمْ . أحمد ، أي : المبشر به في الأعصار المتقادمة ، المنوه بذكره في القرون السالفة ، لما ظهر أمره وجاء بالبينات ، قال الكفرة والمخالفون . هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ . x

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

{ وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل } إنما قال موسى يا قوم وقال عيسى : يا بني إسرائيل لأنه لم يكن له فيهم أب { مصدقا لما بين يدي من التوراة } معناه مذكور في البقرة في قوله : { مصدقا لما معكم } [ البقرة : 41 ] .

{ ومبشرا برسول } عن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى يا روح الله هل بعدنا من أمة قال : نعم أمة أحمد حكماء علماء أتقياء أبرار .

{ اسمه أحمد } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي وأنا العاقب فلا نبي بعدي " ، وأحمد مشتق من الحمد ويحتمل أن يكون فعلا سمي به أو يكون صفة سمي بها كأحمد ويحتمل أن يكون بمعنى حامد أو بمعنى محمود كمحمد .

{ فلما جاءهم بالبينات } يحتمل أن يريد عيسى أو محمد عليهما الصلاة والسلام ويؤيد الأول اتصاله بما قبله ويؤيد الثاني قوله : { وهو يدعى إلى الإسلام } لأن الداعي إلى الإسلام هو محمد صلى الله عليه وسلم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

قوله : { وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم } يعني واذكر قول عيسى ابن مريم لبني إسرائيل : إني مرسل إليكم من ربي أبلغكم دين الحق وأنهاكم عن الشرك والباطل وأتلو عليكم الإنجيل ، { مصدقا لما بين يديّ من التوراة } أي جئت مصدقا لكتاب الله التوراة الذي أنزله الله من قبلي على رسوله موسى ، { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } أي وأحمل لكم البشرى بالنبي العربي الأمي من بعدي واسمه أحمد . فقد كان عيسى ( عليه الصلاة والسلام ) خاتم النبيين من بني إسرائيل . وقد قام في بني إسرائيل مبشرا برسول الله محمد ، وهو أحمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين والمرسلين . وأحمد اسم تفضيل ومعناه أحمد الحامدين لرب العالمين وأكثر النبيين والمرسلين حمدا لله .

ونبوته صلى الله عليه وسلم حقيقة لا شك فيها . إنها حقيقة ساطعة بلجة استيقنتها قلوب أهل الكتاب أنفسهم فما يجحدها الجاحدون منهم إلا استكبارا وحسدا ونفورا من الحق واليقين ورغبة في الضلال والشر ، وإذعانا للهوى الذي يركب النفس المريضة .

قوله : { فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين } لما جاء أحمد صلى الله عليه وسلم قومه بالدلالات الظاهرة والحجج الباهرة بادروه التكذيب وقالوا : إن ما جاءهم به إن هو إلا سحر ظاهر . ذلك قولهم بألسنتهم التي تصطنع الكذب والجحود اصطناعا ، وهم موقنون أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق ويقين ، ليس بالعبث ولا باللغو أو الهزل . فهم لا يكذبون إلا عتوّا ومكابرة وظلما{[4526]} .


[4526]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 360 وتفسير القرطبي جـ 18 ص 83، 84.