تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

36

المفردات :

استجابوا لربهم : أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة .

وأمرهم شورى بينهم : شأنهم التشاور ومراجعة الآراء في أمورهم .

التفسير :

38- { والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون } .

والذين استجابوا لأمر الله تعالى ودخلوا في دين الإسلام .

{ وأقاموا الصلاة . . . } وحافظوا على إقامة الصلاة في أوقاتها ، وخص الصلاة بالذكر لأنها أعظم أركان الإسلام ، وهي صلة بين العبد وربه ، وهي عماد الدين ، من أقامها كان حريا أن يقيم أمور الدين ، ومن هدمها كان حريا أن يهدم الدين .

{ وأمرهم شورى بينهم . . . } أي : هم ملتزمون بالشورى في الأمور العامة كالحرب وشئون الدولة ، والشئون الخاصة كنظام الأسرة وما يتصل بشئون الجماعات والأفراد ، وقد حث القرآن على الشورى ومدحها ، وسمى هذه السورة المكية باسم ( الشورى ) كما ذكر الشورى في سورة ( آل عمران ) وهي سورة مدنية .

قال تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } . ( آل عمران : 159 ) .

وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري في الأدب المفرد ، وابن المنذر ، عن الحسن قال : ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم ، ثم تلا : { وأمرهم شورى بينهم . . . }

ولقد كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشورة لأصحابه ، فقد استشارهم عند الخروج لغزوة بدر ولغزوة أحد ، وفي غزوة الأحزاب عمل بمشورة الأنصار ، وتراجع عن إعطاء هوازن ثلث ثمار المدينة عندما قالت الأنصار : لا نعطيهم إلا السيف ، وكان الخلفاء الراشدون يحرصون على الشورى خصوصا ما لا نص فيه ، مثل كتابة المصحف ، وحروب الردة ، وعدم توزيع أرض السواد بالعراق على الفاتحين ، وتضمين العمال إذا أتلفوا ما بأيديهم لشدة حاجة الناس إليهم ، وكتابة الحديث النبوي الشريف في عهد خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز ، وغير ذلك .

{ ومما رزقناهم ينفقون } .

أي : ينفقون مما أعطاهم الله من المال أو العلم أو الجاه ، بإخراج الزكاة أو الصدقة أو الإحسان إلى خلق الله .

/خ43

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

{ كبائر الإثم } ذكرنا الكبائر في النساء وقيل : كبائر الإثم : هو الشرك ، والفواحش : هي الزنا واللفظ أعم من ذلك .

{ والذين استجابوا لربهم } قيل : يعني : الأنصار لأنهم استجابوا لما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، ويظهر لي أن هذه الآية : إشارة إلى ذكر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، لأنه بدأ أولا بصفات أبي بكر الصديق ، ثم صفات عمر بن الخطاب ثم صفات عثمان بن عفان ثم صفات علي بن أبي طالب ، فكونه جمع هذه الصفات ورتبها على هذا الترتيب يدل على أنه قصد بها من اتصف بذلك .

فأما صفات أبي بكر فقوله : { الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } [ النحل : 99 ] ، وإنما جعلناها صفة أبي بكر وإن كان جميعهم متصفا بها لأن أبا بكر كانت له فيها مزية لم تكن لغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجحهم " وقال صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة الإيمان وأبو بكر بابها " وقال أبو بكر : " لو كشف الغطاء لما ازددت إلا يقينا " والتوكل إنما يقوى بقوة الإيمان .

أما صفات عمر فقوله : { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } لأن ذلك هو التقوى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة التقوى وعمر بابها " وقوله : { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } [ الشورى : 37 ] ، وقوله : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [ الجاثية : 14 ] نزلت في عمر .

وأما صفات عثمان فقوله : " والذين استجابوا لربهم " لأن عثمان لما دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان تبعه وبادر إلى الإسلام وقوله : { وأقاموا الصلاة } لأن عثمان كان كثير الصلاة بالليل ، وفيه نزلت { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما } [ الزمر : 9 ] الآية .

وروي أنه كان يحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن كله ، وقوله : { وأمرهم شورى بينهم } لأن عثمان ولي الخلافة بالشورى ، وقوله : { ومما رزقناهم ينفقون } [ البقرة : 3 ] ، لأن عثمان كان كثير النفقة في سبيل الله ويكفيك أنه جهز جيش العسرة .

وأما صفة علي فقوله : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون }