وسلّط الله عليهم جماعات من الطير ، أتتهم مسرعة متتابعة ، وأحاطت بهم من كل جهة ، وقد جاءت هذه الطير من جهة البحر ، ولم تر قبل ذلك ولا بعده .
إنها معجزة ، إنها قدرة الله ، وهو على كل شيء قدير ، فهذا القائد الذي هزم كل من قابله من العرب ، وجاء بالفيل ومعه مجموعة من الفيلة ، سلّط الله عليه جيشا من الطير ، كان سببا في قهره .
قال تعالى : وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر . ( المدثر : 31 ) .
طيرا أبابيل . أي : قطعا قطعا ، صفرا ، دون الحمام ، وأرجلها حمر ، مع كل طائر ثلاثة أحجار ، وجاءت فحلّقت عليهم ، وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا .
{ وأرسل عليهم طيرا أبابيل } سلط عليهم طيرا من جهة السماء جماعات عظاما ، متتابعة بعضها في إثر بعض ، تجيء من كل ناحية ، وكانوا قرب عرفة قبل دخول الحرم على الأصح . وأبابيل : اسم جمع لا واحد له من لفظه . وقيل : واحده إبالة ، وهي حزمة الحطب الكبيرة ؛ شبهت به الجماعة من الطير في تضامها ، وقيل : إبّول كعجول . أو إبيّل كسكين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني متتابعة كلها تترى بعضها على إثر بعض . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وأرسل عليهم ربك طيرا متفرّقة ، يتبع بعضها بعضا من نواح شتى ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جماعات متفرقة جماعة جماعة ، وهكذا السنة في الخروج لمحاربة أعداء الله تعالى أن يخرجوا جماعة جماعة . وقيل : هي طير ، لم ير قبلها ولا بعدها مثلها ...
{ وأرسل عليهم طيرا أبابيل } سؤالات :
السؤال الأول : لم قال : { طيرا } على التنكير ؟
( والجواب ) : إما للتحقير فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر ، أو للتفخيم كأنه يقول : طيرا وأي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطئ المقتل .
( الجواب ) أما أهل اللغة قال أبو عبيدة : أبابيل جماعة في تفرقة ، يقال : جاءت الخيل أبابيل أبابيل من ههنا وههنا ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وأرسل } وبين أنه إرسال عذاب بقوله : { عليهم } أي خاصة من بين من كان هناك من كفار العرب ، وأشار إلى تحقيرهم وتخسيسهم عن أن يعذبهم بشيء عظيم ، لكونهم عظموا أنفسهم ، وتجبروا على خالقهم بالقصد القبيح لبيته ، فقال تعالى معلماً بأنه سلط عليهم ما لا يقتل مثله في العادة : { طيراً } وهو اسم جمع يذكر على اللفظ ، ويؤنث على المعنى ، وقد يقع على الواحد ، ولذلك قال مبيناً الكثرة : { أبابيل } أي جماعات كثيرة جداً ،...
قوله تعالى : { وأرسل عليهم طيرا أبابيل }
قال سعيد بن جبير : كانت طيرا من السماء لم ير قبلها ، ولا بعدها مثلها . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنها طير بين السماء والأرض ، تعشش وتفرخ " . وعن ابن عباس : كانت لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب . وقال عكرمة : كانت طيرا خضرا ، خرجت من البحر ، لها رؤوس كرؤوس السباع . ولم تر قبل ذلك ولا بعده . وقالت عائشة رضي الله عنها : هي أشبه شيء بالخطاطيف . وقيل : بل كانت أشباه الوطاويط ، حمراء وسوداء . وعن سعيد بن جبير أيضا : هي طير خضر لها مناقير صفر . وقيل : كانت بيضا . وقال محمد بن كعب : هي طير سود بحرية ، في مناقيرها وأظفارها الحجارة . وقيل : إنها العنقاء المُغرِب{[16416]} التي تضرب بها الأمثال . قال عكرمة : " أبابيل " أي مجتمعة . وقيل : متتابعة ، بعضها في إثر بعض . قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : مختلفة متفرقة ، تجيء من كل ناحية من ها هنا وها هنا . قاله ابن مسعود وابن زيد والأخفش . قال النحاس : وهذه الأقوال متفقة ، وحقيقة المعنى : أنها جماعات عظام . يقال : فلان يؤبل على فلان ، أي يعظم عليه ويكثر ، وهو مشتق من الإبل . واختلف في واحد ( أبابيل ) ، فقال الجوهري : قال الأخفش يقال : جاءت إبلك أبابيل ، أي فرقا ، وطيرا أبابيل . قال : وهذا يجيء في معنى التكثير ، وهو من الجمع الذي لا واحد له . وقال بعضهم : واحده أبول . مثل عجول . وقال بعضهم - وهو المبرد - : إبيل مثل سكين . قال : ولم أجد العرب تعرف له واحدا في غير الصحاح . وقيل في واحده : إبال . وقال رؤبة بن العجاج في الجمع :
ولعبتْ طيرٌ بهم أبابيلْ *** فَصُيِّروا مثل كعصف مأكول
طريقٌ وجَبَّارٌ{[16417]} رِوَاءٌ أصولُهُ *** عليه أبابيل من الطير تَنْعَبُ
كادت تُهَدُّ من الأصوات راحلتي*** إذ سالت الأرض بالجُرْدِ{[16418]} الأبابيلِ
تراهُمْ إلى الداعي سراعا كأنهم *** أبابيلُ طيرٍ تحت دَجْنِ مُسَخَّنِ{[16419]}
قال الفراء : لا واحد له من لفظه . وزعم الرؤاسي - وكان ثقة - أنه سمع في واحدها " إبالة " مشددة . وحكى الفراء " إبالة " مخففا . قال : سمعت بعض العرب يقول : ضغث{[16420]} على إبالة . يريد : خصبا على خصب . قال : ولو قال قائل : إيبال ، كان صوابا ، مثل دينار ودنانير . وقال إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل : الأبابيل : مأخوذ من الإبل المؤبلة ، وهي الأقاطيع .
ولما كان التقدير : فمنعهم من الدخول إلى حرم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فضلاً عن الوصول إلى بلدة الرسول صلى الله عليه وسلم ، عطف عليه أو على " يجعل " معبراً بالماضي ؛ لأنه بمعناه ، وهو أصرح ، والتعبير به أقعد قوله ؛ { وأرسل } وبين أنه إرسال عذاب بقوله : { عليهم } أي خاصة من بين من كان هناك من كفار العرب ، وأشار إلى تحقيرهم وتخسيسهم عن أن يعذبهم بشيء عظيم ، لكونهم عظموا أنفسهم ، وتجبروا على خالقهم بالقصد القبيح لبيته ، فقال تعالى معلماً بأنه سلط عليهم ما لا يقتل مثله في العادة : { طيراً } وهو اسم جمع يذكر على اللفظ ، ويؤنث على المعنى ، وقد يقع على الواحد ، ولذلك قال مبيناً الكثرة : { أبابيل * } أي جماعات كثيرة جداً ، متفرقة يتبع بعضها بعضاً من نواحي شتى فوجاً فوجاً ، وزمرة زمرة ، أمام كل فرقة منها طير يقودها ، أحمر المنقار ، أسود الرأس ، طويل العنق ، قال أبو عبيدة : يقال : جاءت الخيل أبابيل من هاهنا وهاهنا ، وهو جمع إبالة بالكسر والتشديد ، وهي الحزمة الكبيرة ، شبهت بها الجماعة من الطير في تضامّها ، وفي أمثالهم : ضغث على إبالة ، أي بلية على أخرى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.