تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

المفردات :

يوسوس في صدور الناس : بالإغراء بالمعاصي ، والحض على الشر .

التفسير :

5- الذي يوسوس في صدور الناس .

تلك وظيفة الشيطان ، أن يتحسّس ويتدسّس إلى صدرك بصوت خفي ، وإغراء بأمور تصرفك عن الصلاة ، أو تزيّن لك الشر ، فهو عدو مبين ، أخرج أباك من الجنة ، ويريد أن يخرجك عن طاعة الرحمان إلى طاعة الشيطان .

الشيطان ابتلاء واختبار ، ورغبة في إغواء بني آدم ، وأنت أيها الإنسان تملك قهره وزجره ، والاستعاذة بالله منه ، فلا تضعف ولا تستسلم ، بل قاوم الشيطان بالإيمان وذكر الله .

قال تعالى : إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّا إنما يدعوا حزبه ليكنوا من أصحاب السعير . ( فاطر : 6 ) .

وفي يوم القيامة يقف الشيطان خطيبا في أهل جهنم ، فيلقى عليهم اللّوم ويبين أنه لم يجبرهم على الكفر أو ارتكاب المعاصي ، إنما زين لهم فقط ، لكنهم استجابوا وأهملوا عقولهم ، وأطاعوا نزواتهم وشهواتهم ، فاللّوم عليهم .

قال تعالى : وقال الشيطان لمّا قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم . . . ( إبراهيم : 22 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

{ الذي يوسوس في صدور الناس } يلقى فيها في خفية ما يضلها عن سبيل الحق ، ويكون سبب شقائها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله : { الّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ } يعني بذلك : الشيطان الوسواس ، الذي يوسوس في صدور الناس : جنهم وإنسهم .

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وسوسة الشيطان هي الدعاء إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل ، أو يقع في النفس من أمر متوهم ، ومنه الموسوس إذا غلب عليه الوسوسة ، لما يعتريه من المسرة ، وأصله الصوت الخفي ،

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

صفة ثالثة للشيطان ، فذكر وسوسته أولا ، ثم ذكر محلها ثانيا ، وأنها في صدور الناس ثالثا . وقد جعل الله للشيطان دخولا في جوف العبد ، ونفوذا إلى قلبه وصدره ، فهو يجري منه مجرى الدم ، وقد وكل بالعبد ، فلا يفارقه إلى الممات ....

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ الذي يوسوس } أي يلقي المعاني الضارة على وجه الخفاء والتكرير ، بحيث تصل مفاهيمها من غير سماع ، وأشار إلى كثرة وسوسته بذكر الصدر الذي هو ساحة القلب ومسكنه ، فقال : { في صدور الناس } أي المضطربين إذا غفلوا عن ذكر ربهم ، فإنها دهاليز القلوب ، منها تدخل الواردات إليها ... والناس قال في القاموس : يكون من الإنس ومن الجن ، جمع إنس ، أصله أناس جمع عزيز أدخل عليه أل انتهى ، ولعل إطلاقه على هذين المتقابلين بالنظر إلى النوس الذي أصله الاضطراب والتذبذب ، فيكون منحوتاً من الأصلين : الإنس والنوس ، ومن ثالث وهو النسيان .

مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لابن باديس 1359 هـ :

يوسوس بالمضارع إشعارا بتجدد الوسوسة منه ، وعدم انقطاعها . وقال : { في صدور الناس } والصدر ملتقى حنايا الأضلع ، ومستودع القوى التي كان الإنسان إنسانا بها ....فالقلب غير الصدر ، وإنما هو فيه ، وذلك قال : { ولكن تعمى القلوب في الصدور } . الصدر ليس ماديا فقط : ومواقع استعمال القرآن لكلمة الصدر مفردا وجمعا والحكم عليها بالشرح ، والحرج ، والضيق ، والشفاء ، والإخفاء ، والإكنان ، ترشدنا إلى أنه ليس المراد منه الصورة المادية ، ولا أجزاءها المادية ، وإنما المراد القوى النفسية المستودعة فيه ، وأن الوسواس الخناس ، يوجه كيده ووسوسته دائما إلى هذه القلعة التي هي الصدر ؛ لأنها مجمع القوى . وقال : { في صدور الناس } ، ولم يقل في قلوب الناس ؛ لأن القلب مجلى العقل ، ومقر الإيمان ، وقد يكون محصنا بالإيمان فلا يستطيع الوسواس أن يظهره ، ولا يستطيع له نقبا ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ووُصِفَ { الوسواس الخناس } ب { الذي يوسوس في صدور الناس } لتقريب تصوير الوسوسة كي يتقيها المرء إذا اعترته لخفائها ، وذلك بأن بُيِّنَ أنَّ مكان إلقاء الوسوسة هو صدور الناس وبواطنهم فعبّر بها عن الإِحساس النفسي كما قال تعالى : { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [ الحج : 46 ] وقال تعالى : { إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } [ غافر : 56 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الإثم ما حاك في الصدر وتردَّد في القلب " فغاية الوسواس من وسوسته بثّها في نفس المغرور والمشبوككِ في فخّه ، فوسوسة الشياطين اتصالاتُ جاذبيه النفوس نحو دَاعية الشياطين . وقد قرَّبها النبي صلى الله عليه وسلم في آثار كثيرة بأنواع من التقريب منها : « أنها كالخراطيم يمدها الشيطان إلى قلب الإِنسان » وشبهها مرة بالنفث ، ومرة بالإِبْسَاس . وفي الحديث : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما " .

وإطلاق فعل { يوسوس } على هذا العمل الشيطاني مجاز إذ ليس للشيطان كلام في باطن الإِنسان . وأما إطلاقه على تسويل الإِنسان لغيره عملَ السوء فهو حقيقة . وتعلّق المجرور من قوله : { في صدور الناس } بفعل { يوسوس } بالنسبة لوسوسة الشيطان تعلق حقيقي ، وأما بالنسبة لوسوسة الناس فهو مجاز عقلي لأن وسوسة الناس سبب لوقوع أثرها في الصدور فكان في كلِّ من فعل { يوسوس } ومتعلِّقه استعمال اللفظين في الحقيقة والمجاز .

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ } فقد يكون الوسواس الخناس من الجنّ الذين قد يزيّنون للإنسان الكفر والمعصية والضلال في ما حدّثنا الله عنه في القرآن من حركة الشيطان في حياة الإنسان ، ولكنه لا يملك السيطرة على الإنسان الذي يلتفت إلى نفسه ، وينفتح على ربه ، وذلك في ما كرّره الله من قوله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الحجر : 42 ] ، ولكن كيف يوسوس الشيطان للإنسان ، وكيف يدخل إلى عقله وإحساسه وحياته ؟ إننا لم نجد وسيلةً لنتعرف إلى ذلك بطريقة مادية ، ولكننا نعيش النتائج في أنفسنا ، من خلال حركته في الفكر والإحساس والوجدان . وقد يكون هذا الوسواس الخنّاس من الإنس الذين يعيشون مع الإنسان ، ويملكون بعض التأثير عليه ، من خلال علاقات المزاج أو القرابة أو الصداقة أو المصلحة أو الشهوة أو السلطان ونحو ذلك ، فيستغلّون الجانب العاطفي أو الغريزيّ ، أو الضعف الذاتي ، للنفاذ إلى داخل شخصيته من أجل إغوائه وإغرائه وتوجيهه إلى مواقع الضلال . ...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

{ من شر الوسواس } يعني ذا الوسواس وهو الشيطان { الخناس } وهو الذي يخنس ويرجع إذا ذكر الله . والشيطان جاثم على قلب الإنسان ، فإذا ذكر الله تنحى وخنس ، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه ، وهو قوله { الذي يوسوس في صدور الناس }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

ولما ذكر صفة المستعاذ منه ، ذكر إبرازه لصفته بالفعل فقال : { الذي يوسوس } أي يلقي المعاني الضارة على وجه الخفاء والتكرير ، بحيث تصل مفاهيمها من غير سماع ، وأشار إلى كثرة وسوسته بذكر الصدر الذي هو ساحة القلب ومسكنه ، فقال : { في صدور الناس * } أي المضطربين إذا غفلوا عن ذكر ربهم ، فإنها دهاليز القلوب ، منها تدخل الواردات إليها ، وذلك كالقوة الوهمية ، فإن العقل يساعد في المقدمات الحقة المنتجة للأمر المقطوع به ، فإذا وصل الأمر إلى ذلك خنست الواهمة ريثما يفتر العقل عن النتيجة فترة ما ، فتأخذ الواهمة في الوسوسة ، وتقبل منها الطبيعة بما لها بها من مجانسة الظلمة الوهمية ، والناس قال في القاموس : يكون من الإنس ومن الجن ، جمع إنس ، أصله أناس جمع عزيز أدخل عليه أل انتهى ، ولعل إطلاقه على هذين المتقابلين بالنظر إلى النوس الذي أصله الاضطراب والتذبذب ، فيكون منحوتاً من الأصلين : الإنس والنوس ، ومن ثالث وهو النسيان .