تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ وَقَوۡمُ تُبَّعٖۚ كُلّٞ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (14)

12

المفردات :

الأيكة : الغيضة الملتفة الشجر .

وقوم تبع : هو تبع الحميرى ملك اليمن ، أسلم ودعا قومه للإسلام فكذبوه ؛ فأهلكهم الله .

كل : من المذكورين ، أي : كل واحد أو قوم منهم أو جميعهم .

فحق وعيد : وجب نزول العذاب على الجميع ، وحل عليهم وعيدي .

التفسير :

14- { وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد } .

وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب عليه السلام .

قال تعالى : { كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب ألا تتقوا } . ( الشعراء : 176 ، 177 ) .

والأيكة اسم لمنطقة كانت مليئة بالأشجار ، ومكانها في الغالب بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة ، ولعلها المنطقة التي تسمى معان .

{ وقوم تبع . . . }

وهو تبع الأكبر الحميرى ، واسمه أسعد وكنيته أبو كُرَبٍ ، وكان رجلا من أهل اليمن ملكا منصورا ، فسار بالجيوش حتى انتهى إلى سمرقند ، فرجع فأخذ طريق الشام ، ثم مر بالبيت الحرام فدخله محرما ، فقضى نسكه ، ثم انصرف نحو اليمن راجعا ، حتى إذا قدم على قومه طلب منهم أن يؤمنوا كما آمن فامتنعوا ، فنزلت من السماء نار فأحرقت من لم يؤمن منهم7 .

قال تعالى : { أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين } . ( الدخان : 37 ) .

{ كل كذب الرسل فحق وعيد } .

كل هؤلاء كذبوا جميع رسلهم ، فحق عليهم وعيدي ، وثبتت عليهم كلمة العذاب على التكذيب ، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء الأقوام .

وقد ورد هذا المعنى في سورة غافر في الآية الخامسة ، والآية الحادية والعشرين وما بعدها ، وفي عدد من السور المكية ، وفي الآية الثالثة عشرة من سورة فصلت وما بعدها .

وفي سورة الفجر في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ( 6 ) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ( 7 ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( 8 ) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( 9 ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ( 10 ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( 11 ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ( 12 ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ( 13 ) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ( 14 ) } . ( الفجر : 6-14 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ وَقَوۡمُ تُبَّعٖۚ كُلّٞ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (14)

{ وأصحاب الأيكة } قوم شعيب عيه السلام [ آية 176 الشعراء ص 114 ] . { وقوم تبع } باليمن [ آية 37 الدخان ص 309 ] . { كل كذب الرسل فحق وعيد } أي فوجب ونزل بهم وعيدي ، وهو كلمة العذاب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ وَقَوۡمُ تُبَّعٖۚ كُلّٞ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (14)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 12].

يقول تعالى ذكره" كذّبتْ "قبل هؤلاء المشركين الذين كذّبوا محمدا صلى الله عليه وسلم من قومه "قَوْمُ نوحٍ وأصحْابُ الرّسّ" وقد مضى ذكرنا قبل أمر أصحاب الرسّ، وأنهم قوم رسّوا نبيهم في بئر...

"وثَمُودُ وعَادٌ وَفِرْعُوْنُ وَإخْوَانُ لُوطٍ وأصْحابُ الأيْكَةِ" وهم قوم شعيب، وقد مضى خبرهم قبل "وَقَوْمُ تُبّعٍ"، وكان قوم تُبّعٍ أهل أوثان يعبدونها...

وقوله: "كُلّ كَذّب الرّسُلَ فَحَق وَعَيِدِ" يقول تعالى ذكره: كلّ هؤلاء الذين ذكرناهم كذّبوا رسل الله الذين أرسلهم "فَحَقّ وَعِيد" يقول: فوجب لهم الوعيد الذي وعدناهم على كفرهم بالله، وحل بهم العذاب والنقمة. وإنما وصف ربنا جلّ ثناؤه ما وصف في هذه الآية من إحلاله عقوبته بهؤلاء المكذّبين الرسل ترهيبا منه بذلك مشركي قريش وإعلاما منه لهم أنهم إن لم ينيبوا من تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، أنه محلّ بهم من العذاب، مثل الذي أحلّ بهم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 12]

ذكر هذه الأنباء لوجهين:

أحدهما: يصبّر رسوله صلى الله عليه وسلم على أذى قومه وتكذيبهم إياه كما صبّر أولئك؛ يقول: إنك لست بأول رسول، كذّبه قومه، بل كان قبلك رسل، كذّبهم قومهم، فصبروا على ذلك، فاصبر أنت أيضا...

والثاني: يحذّر قومه أن ينزل بتكذيبهم إياه وسوء معاملتهم به كما نزل بمن ذكر من الأقوام بتكذيبهم وسوء معاملتهم. وعلى هذين المعنيين جمع ما ذكر في القرآن من الأنباء، والله أعلم.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{كُلٌّ كَذَّبَ الرّسلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} يعني أن كل هؤلاء كذبوا من أرسل إليهم، فحق عليهم وعيد الله وعذابه. فذكر الله قصص هؤلاء لهذه الأمة، ليعلم المكذبون منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أنهم كغيرهم من مكذبي الرسل إن أقاموا على التكذيب فلم يؤمنوا، حتى أرشد الله منهم من أرشد وتبعهم رغباً ورهباً من تبع...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كُلٌّ} يجوز أن يراد به كل واحد منهم، وأن يراد جميعهم، إلا أنه وحد الضمير الراجع إليه على اللفظ دون المعنى {فَحَقَّ وَعِيدِ} فوجب وحل وعيدي، وهو كلمة العذاب. وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتهديد لهم...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{كل كذب الرسل فحق وعيد}. يحتمل وجهين؛

(أحدهما) أن كل واحد كذب رسوله فهم كذبوا الرسل واللام حينئذ لتعريف العهد.

(وثانيهما) وهو الأصح هو أن كل واحد كذب جميع الرسل واللام حينئذ لتعريف الجنس، وهو على وجهين؛

(أحدهما) أن المكذب للرسول مكذب لكل رسول.

(وثانيهما) وهو الأصح أن المذكورين كانوا منكرين للرسالة والحشر بالكلية، وقوله {فحق وعيد} أي ما وعد الله من نصرة الرسل عليهم وإهلاكهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة {كل كذب الرسل} مؤكدة لجملة {كذبت قبلهم قوم نوح} إلى آخرها، فلذلك فصلت ولم تعطف، وليبني عليه قوله: {فحَقّ وعيد} فيكون تهديد بأن يحق عليهم الوعيد كما حق على أولئك مرتباً بالفاء على تكذيبهم الرسل فيكون في ذلك تشريف للنبيء صلى الله عليه وسلم وللرسل السابقين. وتنوين {كل} تنوين عوض عن المضاف إليه، أي كلّ أولئك. و {حقّ} صدق وتحقّق. والوعيد: الإنذار بالعقوبة واقتضى الإخبار عنه ب {حق} أن الله توعدهم به فلم يعبأوا وكذبوا وقوعه فحق وصدق. وحذفت ياء المتكلم التي أضيف إليها {وعيد} للرعي على الفاصلة وهو كثير...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ وَقَوۡمُ تُبَّعٖۚ كُلّٞ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (14)

وقوله { وقوم تبع } وهو ملك كان باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه وقوله { فحق وعيد } وجب عليهم العذاب

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ وَقَوۡمُ تُبَّعٖۚ كُلّٞ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (14)

ولما كان الشجر مظنة الهواء البارد والروح ، وكان أصحابه قد عذبوا بضد ذلك قال : { وأصحاب الأيكة } لمشاركتهم لهم{[61128]} في العذاب بالنار ، وأولئك بحجارة الكبريت النازلة من العلو وهؤلاء بالنار-{[61129]} النازلة من ظلمة السحاب ، وعبر عنهم بالواحدة والمراد الغيضة إشارة إلى أنها من شدة التفافها كالشجرة الواحدة . ولما كان { تبع } مع كونه من قومه ملكاً قاهراً ، وخالفوه مع ذلك ، وكان لقومه{[61130]} نار في بلادهم-{[61131]} يتحاكمون إليها فتأكل الظالم ، ختم بهم فقال : { وقوم تبع } مع كونه مالكاً ، وهو يدعوهم إلى الله ، فلا يظن أن التكذيب مخصوص بمن كان قوياً لمن كان مستضعفاً ، بل هو واقع بمن شئنا من قوي وضعيف ، لا يخرج شيء عن مرادنا .

ولما لم يكن هنا ما يقتضي التأكيد مما مر بيانه في ص قال معرياً منه : { كل } أي من هذه الفرق { كذب الرسل } أي كلهم بتكذيب رسولهم ، فإن الكل متساوون فيما يوجب الإيمان من إظهار العجز والدعاء إلى الله { فحقَّ }[ أي-{[61132]} ] فتسبب عن تكذيبهم لهم أنه ثبت عليهم ووجب { وعيد } أي-{[61133]} الذي كانوا يكذبون به عند إنذارهم لهم إياه ، فعجلنا لهم منه في الدنيا ما حكمنا به عليهم في الأزل فأهلكناهم إهلاكاً عاماً كإهلاك نفس واحدة على أنحاء مختلفة كما هو مشهور عند من له بأمثاله عناية{[61134]} وأتبعناه ما هو في البرزخ وأخرنا ما هو في القيامة إلى البعث ، بإهلاكنا لهم على تنائي ديارهم وتباعد أعصارهم وكثرة أعدادهم أن لنا الإحاطة البالغة فتسلَّ بإخوانك المرسلين وتأسَّ بهم ، ولتحذر قومك ما حل بمن كذبهم إن أصروا .


[61128]:سقط من مد.
[61129]:زيد من مد.
[61130]:من مد، وفي الأصل: في قومه.
[61131]:زيد من مد.
[61132]:زيد من مد.
[61133]:زيد من مد.
[61134]:من مد، وفي الأصل: عباده.