21- { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } .
قضى الله وأثبت ذلك ، وأيده وأكده ، وهو أن تكون الغلبة والنصر لرسل الله وأوليائه وأحبابه ، وأتباع دينه وشرعه ورسله ، فالله غالب على أمره وهو سبحانه ، قوي . لا يغلبه غالب ، عزيز . لا يغلبه على مراده كائن مهما كان ، وقد حدث ذلك في تاريخ البشرية ، حيث نصر الله المرسلين وهزم المكذبين ، فقد نصر الله نوحا وأغرق الكافرين به ، وكذلك نصر هودا وصالحا وشعيبا وموسى ، وأهلك المكذبين بهم .
قال تعالى : { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا } . ( الإسراء : 17 ) .
وقيل : إن المراد بغلبة الله ورسله ، الغلبة بالحجة لاطرادها ، وهو خلاف الظاهر ، فالعاملون المخلصون ينصرهم الله في النهاية ، وقد يتأخر النصر لحكمة إلهية ، هي امتحان المؤمنين واستشارة إخلاصهم واستعدادهم ورغبتهم .
قال تعالى : { حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا . . . }( يوسف : 110 ) .
وقال تعالى : { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم } . ( محمد : 4 ) .
وفي هذا المعنى قال تعالى : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين*إنهم لهم المنصورون*وإنّ جندنا لهم الغالبون } . ( الصافات : 171-173 ) .
وقال مقاتل في سبب نزول هذه الآية :
لما فتح الله تعالى مكة والطائف وخيبر وما حولها للمؤمنين ، قالوا : نرجو أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم ، فقال عبد الله بن أُبيّ : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها ، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظهروا عليهم ، فنزلت الآية : { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } .
{ كتب الله لأغلبن ؟ } أي قضى الله ذلك . وقيل : كتب في اللوح المحفوظ ، عن قتادة . الفراء : كتب بمعنى قال { أنا } توكيد { ورسلي }من بعث منهم بالحرب فإنه غالب{[14798]} بالحرب ، ومن بعث منهم بالحجة فإنه غالب{[14799]} بالحجة . قال مقاتل : قال المؤمنون : لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله على فارس والروم ، فقال عبدالله بن أبي ابن سلول : أتظنون الروم وفارس مثل القرى التي غلبتم عليها ؟ ! والله إنهم لأكثر عددا ، وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت :{ لأغلبن أنا ورسلي } . نظيره : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون{[14800]} }[ الصافات : 171 ] .
ولما أنزلهم بالحضيض الأسفل ، علل ذلك بما يدل على{[63498]} أنه{[63499]} سبحانه لا شريك له بإتمام كلماته بنصر أوليائه على ضعفهم وخذلان أعدائه على قوتهم لأنه سبحانه غيب{[63500]} محض لا دلالة{[63501]} عليه إلا بأفعاله فقال :{ كتب }أي فعل فعل من أبرم أمراً{[63502]} ففرغ منه وكتبه فأوجب وحتم وقضى وبت { الله } أي الملك{[63503]} الذي لا كفوء له{ لأغلبنَّ }{[63504]} أكد لما لهم{[63505]} من ظن الغلب بالكثرة والقوة { أنا ورسلي } أي بقوة الجدال وشدة الجلاد ، فهو صادق بالنسبة إلى من بعث بالحرب ، وإلى من بعث بالحجة ، وعلل هذا القهر بقوله مؤكداً لأن أفعالهم {[63506]}مع أوليائه{[63507]} أفعال من يظن ضعفه ، { إن الله } أي{[63508]} الذي له الأمر كله { قوي } فهو يفيض من{[63509]} باطن قوته من يظهر به ظاهر قدرة أوليائه ، فإن القوي من له استقلال باطن بما يحمله القائم في الأمر ولو ضوعف عليه ما عسى أن يضاعف وحمايته مما يتطرق إلى الإجلال بشدة وبطش منبعث عن ذلك الاستقلال الباطن ، وما ظهر من أثر ذلك فهو قدرة ، فلا اقتدار يظهر من الخلق إلا بالاستناد إلى القوة بالله ، ولا قيام بالحقيقة لباطن إلا بالله الذي بيده ملكوت كل شيء ، فلذلك كان بالحقيقة لا قوي إلا هو .
ولما كان القوي {[63510]}من المخلوقات{[63511]} قد يكون غيره{[63512]} أقوى من غيره{[63513]} ولو في وقت ، نفى{[63514]} ذلك{[63515]} بقوله :{ عزيز * } أي غالب غلبة لا يجد معها المغلوب نوع مدافعة وانفلات{[63516]} ، ثابت له هذا الوصف دائماً .