خلقكم من تراب : خلق أباكم آدم .
علقة : دم غليظ يعلق بجدار الرّحم .
أشدكم : كمال عقلكم وقوتكم ، فيما بين الثلاثين والأربعين .
أجلا مسمى : وقتا محددا ، وهو وقت الموت .
67-{ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون } .
الله تعالى هو الذي يكّون الجنين في بطن أمّه ، حيث يمر بمراحل متعددة ، فقد خلق الله آدم من تراب ، وخلق ذريته من المنّي ، والمنّي يتكون من الدم ، والدم من الأكل ، والأكل من النبات ، والنبات يتكون من التراب والماء .
إن الجنين يمر بمراحل متعددة ، تبدأ بالتقاء البويضة من الذكر وتلقيحها لبويضة الأنثى ، ثم تتحول من نطفة إلى قطعة دم جامدة ، تعلق بجدار الرحم وتسمّى علقة ، ثم تمر بمراحل في بطن أمّه حتى يصير طفلا ينزل إلى الدنيا ، وفيه وسائل النظر والسمع ، والبطش والمشي ، والأكل والنموّ ، ويمر بمراحل الطفولة ثم الشباب والقوة ، ثم الشيخوخة والضعف ، ومن الناس من يموت في مرحلة الشباب أو قبلها ، ومنهم من يعمر حيث يمكث كل إنسان في هذه الدنيا إلى الأجل الذي حدده الله له في هذه الحياة .
أن هذا الإله الخالق للجنين في بطن أمّه ، الذي تعهده إلى أن صار طفلا ، والذي تعهد الطفل إلى أن صار شيخا ، هذا هو الإله الذي يستحق العبادة .
طِفلاً : يعني أطفالا ، لأنه يطلق على المفرد والجمع .
ثم يستعرض آية من آيات الله في أنفسهم بعدما استعرض آياته في هذا الكون العجيب ، وهذه الآية هي الحياة الإنسانية وأطوارها العجيبة فيقول :
{ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ . . . }
رتّب الله سبحانه تطور حياة الإنسان في ثلاث مراتب : الطفولة ، وبلوغ الأشُدّ في الشباب والكهولة ، والشيخوخة . ومن الناس من يُتوفى قبل سن الشباب ، أو الشيخوخة . والله يفعل ذلك لتبلغوا الأجل المسمى وهو يوم القيامة ، ولتعقِلوا ما في التنقل في هذه الأطوار المختلفة من فنون العبر والحكم .
قوله تعالى :{ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً } أي : أطفالاً ، { ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ، ومنكم من يتوفى من قبل } أي : من قبل أن يصير شيخاً ، { ولتبلغوا } جميعاً ، { أجلاً مسمىً } وقتاً معلوماً محدوداً لا تجاوزونه ، يريد أجل الحياة إلى الموت ، { ولعلكم تعقلون } أي : لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته .
ولما قامت الأدلة وسطعت الحجج على أنه سبحانه رب العالمين الذين من جملتهم المخاطبون ، ولا حكم للطبيعة ولا غيرها ، أتبع ذلك آية أخرى في أنفسهم هي أظهر مما مضى ، فوصل به على طريق العلة لمشاركتهم له صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي في التي قبلها قوله تعالى : { هو } لا غيره { الذي } ولما كان الوصف بالتربية ماضياً ، عبر عنه به فقال : { خلقكم من تراب } أي أصلكم وأكلكم التي تربى به أجسادكم { ثم من نطفة } من مني يمنى { ثم من علقة } مباعداً حالها لحال النطفة كما كان النطفة مباعداً لحال التراب ، { ثم } بعد أن جرت شؤون أخرى { يخرجكم } أي يجدد إخراجكم شيئاً بعد شيء { طفلاً } لا تملكون شيئاً ولا تعلمون شيئاً ، ثم يدرجكم في مدارج التربية صاعدين بالقوة في أوج الكمال طوراً بعد طور وحالاً بعد حال { لتبلغوا أشدكم ثم } يهبطكم بالضعف والوهن في مهاوي السفول { لتكونوا شيوخاً } ضعفاء غرباء ، قد مات أقرانكم ، ووهت أركانكم ، فصرتم تخشون كل أحد .
ولما كان هذا مفهماً لأنه حال الكل ، بين أنه ما أريد به إلا البعض لأن المخاطب الجنس ، وهو يتناول البعض كما يتناول الكل فقال : { ومنكم من يتوفى } بقبض روحه وجميع معانيه . ولما كان الموت ليس مستغرقاً للزمن الذي بين السنين ، وإنما هو في لحظة يسيرة مما بينهما ، أدخل الجار على الظرف فقال : { من قبل } أي قبل حال الشيخوخة أو قبل حال الأشدية .
ولما كان المعنى : لتتفاوت أعماركم وأحوالكم وأعمالكم ، عطف عليه قوله : { ولتبلغوا } أي كل واحد منكم { أجلاً مسمى } أي له سماه الملك الذي وكل به في بطن أمه عن إذننا وبأمرنا الذي قدرناه في الأزل ، فلا يتعداه مرة ، ولا بمقدار ذرة ، فيتجدد للملائكة إيمان في كل زمان .
ولما كانت هذه الأمور مقطوعاً بها عند من يعلمها ، وغير مترجاة عند من يجهلها ، فإنه لا وصول للآدمي بحيلة ولا فكر إلى شيء منها ، فعبر فيها باللام ، وكان التوصل بالتفكر فيها والتدبر إلى معرفة أن الإله واحد في موضع الرجاء للعاقل قال : { ولعلكم تعقلون * } أي فتعلموا بالمفاوتة بين الناس فيها ببراهين المشاهدة بالتقليب في أطوار الخلقة وأدوار الأسنان ، وإرجاع أواخر الأحكام على أوائلها أن فاعل ذلك قادر مختار حكيم قهار ، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.