إخوة : الإخوة في النسب ، والإخوان في الصداقة ، واحدهم أخ ، وقد جعلت الإخوة في الدين ، كالأخوة في النسب ، كأن الإسلام أب لهم ، قال قائلهم :
أبى الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
10- { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } .
المؤمنون إخوة في الدين والإسلام ، وبينهم وشائج الأخوة الكاملة ، فإن وقع نزاع بين الإخوة ، وجب أن نسارع إلى الصلح بينهم ، ونبذل في ذلك الجهد والحكمة ، وحسن الدعوة ، ومحاولة التوفيق ، مع مراقبة الله رجاء رحمته وفضله وإكرامه .
أخرج الشيخان بسنديهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )12 .
الأخوة : في النسب ، وقد جعلت الأخوة في الدين كالأخوة في النسب . والإخوان : في الصداقة .
إنما المؤمنون بالله ورسوله إخوةٌ جَمَعَ الإيمانُ بين قلوبهم ووحّدهم . وفي الحديث الصحيح : « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يُسْلمه ، ولا يَعيبُه ، ولا يخذُله » فأصلحوا بين أخويكم رعايةً لأخوة الإيمان ، { واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه حتى يرحمكم ، لتكونوا إخوة على الحب والسلام والتعاون والوحدة في مجتمعكم ، وبذلك تكونون أقوياء أعزاء تحت راية الإسلام .
فإن قاتلَ جماعة المؤمنين الفئةَ التي لم تقبل الصلح ، فإنه لا يجوز أن يُجهز على جريح ، ولا يقتل أسير ، ولا يجوز أن يُتعقّب من هرب وترك المعركة ، ولا تؤخذ أموال البغاة غنيمة ، لأن الغرضَ من قتالهم ردُّهم إلى صفّ المؤمنين ، وضمُّهم إلى لواء الأخوّة الإسلامية .
قرأ يعقوب : فأصلحوا بين إخوتكم ، بالجمع . والباقون : بين أخَويكم بالتثنية .
الأولى- قوله تعالى : " إنما المؤمنون إخوة " أي في الدين والحرمة لا في النسب ، ولهذا قيل : أخوة الدين أثبت من أخوة النسب ، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين ، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا ){[14091]} . وفي رواية : ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب أمريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) لفظ مسلم . وفي غير الصحيحين عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه ولا يخذله ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عليه الريح إلا بإذنه ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له غرفة ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها ] . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ احفظوا ولا يحفظ منكم إلا قليل ] .
الثانية- قوله تعالى : " فأصلحوا بين أخويكم " أي بين كل مسلمين تخاصما . وقيل : بين الأوس والخزرج ، على ما تقدم . وقال أبو علي : أراد بالأخوين الطائفتين ، لأن لفظ التثنية يرد والمراد به الكثرة ، كقوله تعالى : " بل يداه مبسوطتان " {[14092]} [ المائدة : 64 ] . وقال أبو عبيدة : أي أصلحوا بين كل أخوين ، فهو آت على الجميع . وقرأ ابن سيرين ونصر بن عاصم وأبو العالية والجحدري ويعقوب " بين إخوتكم " بالتاء على الجمع . وقرأ الحسن " إخوانكم " . الباقون : " أخويكم " بالياء على التثنية .
الثالثة- في هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ؛ لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين . قال الحارث الأعور : سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو القدوة عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين : أمشركون هم ؟ قال : لا ، من الشرك فروا . فقيل : أمنافقون ؟ قال : لا ، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا . قيل له : فما حالهم ؟ قال إخواننا بغوا علينا .
ولما أمر بما قد يفضي إلى القتال ، وكان الباغي ربما كان أقرب إلى الصلح من جهة النسب من المبغيّ عليه فروعي ، وكان القتال أمراً شاقاً ربما حمل على الإحجام عن الإصلاح{[60824]} ، علل ذلك سبحانه بما قدم فيه قرابة الدين على قرابة النسب ، وكشف كشفاً تاماً-{[60825]} عن أنه لا يسوغ له{[60826]} تركه لما يؤدي {[60827]}إليه من{[60828]} تفريق الشمل المؤدي إلى وهن الإسلام وأهله المؤدي إلى ظهور الباطل المؤدي إلى الفساد الأعظم الذي لا تدارك له فقال تعالى : { إنما المؤمنون } أي كلهم وإن تباعدت أنسابهم وأغراضهم وبلادهم { إخوة } لانتسابهم إلى أصل واحد وهو الإيمان ، لا بعد بينهم ، ولا يفضل أحد منهم على أحد بجهة غير جهة الإيمان .
ولما كانت الأخوة داعية ولا بد إلى الإصلاح{[60829]} ، سبب عنها قوله : { فأصلحوا } .
ولما كانت الطائفة قد تطلق على ما هو أصل لأن يطاف حوله كما يطلق على ما فيه أهلية التحليق والطواف ، وكان أقل ما يكون ذلك في الأثنين ، وأن مخاصمتهما يجر إلى مخاصمة طائفتين بأن يغضب لكل ناس من قبيلته وأصحابه ، قال واضعاً الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقرير الأمر وتأكيده ، وإعلاماً بأن المراد بالطائفة القوة لا الفعل بحيث يكون ذلك شاملاً للاثنين فما فوقهما : { بين أخويكم } أي المختلفين{[60830]} بقتال أو غيره كما تصلحون بين أخويكم من النسب ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ، بل الأمر كما نقل عن أبي عثمان الحيري أن أخوة الدين أثبت من أخوة النسب ، وقرأ يعقوب{[60831]} { إخوتكم } بالجمع ، وقراءة الجماعة أبلغ لدلالتها على الاثنين فما فوقهما بالمطابقة { واتقوا الله } أي الملك الأعظم الذين هم عباده في الإصلاح بينهما بالقتال وغيره ، لا تفعلوا ما صورته إصلاح وباطنه إفساد ، وأشار إلى سهولة الأمور عنده ونفوذ أمره وأن النفوس إنما تشوفها إلى الإكرام لا إلى كونه من معين ، فبنى للمفعول قوله تعالى : { لعلكم ترحمون * } أي لتكونوا إذا فعلتم ذلك على رجاء عند أنفسكم ومن ينظركم من أن يكرمكم{[60832]} الذي لا قادر في الحقيقة على الإكرام غيره بأنواع الكرامات كما رحمتم إخوتكم بإكرامهم عن إفساد ذات البين التي هي الحالقة ، وقد دلت الآية أن الفسق بغير الكفر لا يخرج عن الإيمان ، وعلى أن الإصلاح من أعظم الطاعات ، وعلى وجوب نصر المظلوم لأن القتال لا يباح بدون الوجوب ، قال القشيري : وذلك يدل على عظم وزر الواشي والنمام والمضرب في إفساد ذات البين ، وقال : من شرط الأخوة أن لا تحوج أخاك إلى الاستعانة بك والتماس النصرة منك{[60833]} ، ولا تقصر في تفقد أحواله بحيث يشكل عليك موضع حاجته{[60834]} فيحتاج إلى مسألتك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.