الغيث : المطر النافع الذي يغيث الناس بعد الجدب .
رحمته : هي منافع الغيث وآثاره ، التي تعم الإنسان والحيوان والنبات والسهل والجبل .
الولي : الذي يتولى عباده بالإحسان .
الحميد : المستحق للحمد على نعمه .
28- { وهو الذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد } .
يمتحن الله الناس بالشر والخير فتنة واختبارا ، وقد يطول المَحْلُ ويتأخر المطر حتى ييأس الناس منه ، وإذا بفضل الله تعالى يظهر فيسوق السحاب ، وينزل المطر ، ويأتي الغيث والماء بعد القنوط واليأس ، فتخضر الأرض ، وتنتشر آثار رحمة الله بعباده حيث ينبت النبات ، ويأكل الحيوان الإنسان ، ويعم الخير والفضل والرحمة ، وهو سبحانه يوالي المؤمنين بالنعم ، وهو أهل للحمد والفضل والثناء .
أخرج الحاكم وصححه ، عن علي قال : نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض . . . } ( الشورى : 27 ) . وذلك أنهم قالوا : لو أن لنا ، فتمنوا الدنيا والغنى .
وقال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية – أي في أهل الصفة - وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وينب النضير وبني قينقاع فتمنيناها .
{ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ } أي : المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد ، { مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا } وانقطع عنهم مدة ظنوا أنه لا يأتيهم ، وأيسوا وعملوا لذلك الجدب أعمالا ، فينزل الله الغيث { وَيَنْشُرُ } به { رَحْمَتَهُ } من إخراج الأقوات للآدميين وبهائمهم ، فيقع عندهم موقعا عظيما ، ويستبشرون بذلك ويفرحون . { وَهُوَ الْوَلِيُّ } الذي يتولى عباده بأنواع التدبير ، ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم . { الْحَمِيدُ } في ولايته وتدبيره ، الحميد على ما له من الكمال ، وما أوصله إلى خلقه من أنواع الإفضال .
قوله عز وجل{ وهو الذي ينزل الغيث } المطر ، { من بعد ما قنطوا } يعني : من بعد ما يئس الناس منه ، وذلك أدعى لهم إلى الشكر ، قال مقاتل : حبس الله المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى قنطوا ، ثم أنزل الله المطر فذكرهم الله نعمته ، { وينشر رحمته } يبسط مطره ، كما قال : { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } ( الأعراف-57 ) { وهو الوالي } لأهل طاعته ، { الحميد } عند خلقه .
قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد وأبو عمرو ويعقوب وابن وثاب والأعمش وغيرهما والكسائي " ينزل " مخففا . الباقون بالتشديد . وقرأ ابن وثاب أيضا والأعمش وغيرهما " قنطوا " بكسر النون ، وقد تقدم جميع هذا{[13513]} . والغيث المطر ، وسمي الغيث غيثا لأنه يغيث الخلق . وقد غاث الغيث الأرض أي أصابها . وغاث الله البلاد يغيثها غيثا . وغيثت الأرض تغاث غيثا فهي أرض مغيثة ومغيوثة . وعن الأصمعي قال : مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا فسألت عجوزا منهم : أتاكم المطر ؟ فقالت : غثنا ما شئنا غيثا ، أي مطرنا . وقال ذو الرمة : قاتل الله أمة بني فلان ما أفصحها ! قلت لها كيف كان المطر عندكم ؟ فقالت : غثنا ما شئنا . ذكر الأول الثعلبي والثاني الجوهري . وربما سمي السحاب والنبات غيثا . والقنوط الإياس . قاله قتادة وغيره . قال قتادة : ذكر أن رجلا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، قحط المطر وقل الغيث وقنط الناس ؟ فقال : مطرتم إن شاء الله ، ثم قرأ : " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا " . والغيث ما كان نافعا في وقته ، والمطر قد يكون نافعا وضارا في وقته وغير وقته . قاله الماوردي .
" وينشر رحمته " قيل المطر ، وهو قول السدي . وقيل ظهور الشمس بعد المطر ، ذكره المهدوي . وقال مقاتل : نزلت في حبس المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى قنطوا ، ثم أنزل الله المطر . وقيل : نزلت في الأعرابي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المطر يوم الجمعة في خبر الاستسقاء ، ذكره القشيري ، والله أعلم . " وهو الولي الحميد " " الولي " الذي ينصر أولياءه . " الحميد " المحمود بكل لسان .
ولما ذكر إنزال الرزق على هذا المنوال ، وكان من الناس ممن خذله الإضلال من يقول : إن ما الناس فيه من المطر والنبات وإخراج الأقوات إنما هو عادة الدهر بين أنه سبحانه هو الفاعل لذلك بقدرته واختياره بما هو كالشمس من أنه قد يحبس المطر عن إبانه وإعادته في وقته وأوانه ، حتى ييأس الناس منه ثم ينزله إن شاء ، فقال معبراً بالضمير الذي هو غيب لأجل أن إنزال الغيث من مفاتيح الغيب : { وهو } أي لا غيره قادر على ذلك فإنه هو { الذي ينزل الغيث } أي المطر الذي يغاث به الناس أي يجابون إلى ما سألوا ويغاثون ظاهراً كما ينزل الوحي الذي يغاثون به ظاهراً وباطناً .
ولما كان الإنزال لا يستغرق زمان القنوط ، أدخل الجار فقال : { من بعد ما قنطوا } أي يئسوا من إنزاله وعملوا انه لا يقدر على إنزاله غيره ، ولا يقصد فيه سواه ، ليكون ذلك أدعى لهم إلى الشكر وينشره - هكذا كان الأصل ولكنه لما بين أنه غيث قال بياناً لأنه رحمةً ، وتعميماً لأثره من النبات وغيره : { وينشر رحمته } أي على السهل والجبل فينزل من السحاب المحمول بالريح من الماء ما يملأ الأرض بحيث لو اجتمع عليه الخلائق ما أطاقوا حمله ، فتصبح الأرض ما بين غدران وأنهار ، ونبات ونجم وأشجار ، وحب وثمار ، وغير ذلك من المنافع الصغار والكبار ، فلله ما أعلى هذه القدرة الباهرة والآية الظاهرة ، فيخرج من الأرض التي هي من صلابتها تعجز عنها المعاول نجماً هو في لينه ألين من الحرير ، وفي لطافته ألطف من النسيم ، ومن سوق الأشجار التي تنثني فيها المناقير أغصاناً ألطف من ألسنة العصافير ، فما أجلف من ينكر إخراجه الموتى من القبور ، أو يحيد عن ذلك بنوع من الغرور .
ولما أنكر عليهم فيما مضى اتخاذ ولي من دونه بقوله تعالى { أم اتخذوا من دونه أولياء } وأثبت أنه هو الولي ، وتعرف إليهم بآثاره التي حوت أفأنين أنواره ، وكانت كلها في غاية الكمال موجبة للحمد المتواتر المنوال ، قال : { وهو } أي وحده لا غيره { الولي } أي الذي لا أحد أقرب منه إلى عباده في شيء من الأشياء { الحميد * } أي الذي استحق مجامع الحمد مع أنه يحمد من يطيعه فيزيده من فضله ويصل حبله دائماً بحبله .