خزنتها : واحدها خازن ، وهم مالك وأعوانه .
نذير : رسول ينذركم بأس الله وشديد عقابه .
8- تكاد تميّز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير .
تكاد جهنم تتقطع من الغيظ والغضب والرغبة في الانتقام ممن كفر بالله ، وجحد رسالات السماء ، وكلما ألقي في جهنم جماعة لينالوا العذاب توجّهت إليهم الزبانية بالسؤال الآتي :
ألم يأتكم رسول ينذركم مثل هذا العذاب ؟ وهو سؤال توبيخ وتحقير وإيلام ، وفي نفس الوقت إلزام الكافر بالحجّة ، واعترافه بأنه يستحق النار عدلا من الله تعالى .
{ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ } أي : تكاد على اجتماعها أن يفارق بعضها بعضًا ، وتتقطع من شدة غيظها على الكفار ، فما ظنك ما تفعل بهم ، إذا حصلوا فيها ؟ " ثم ذكر توبيخ الخزنة لأهلها فقال : { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } ؟ أي : حالكم هذا واستحقاقكم النار ، كأنكم لم تخبروا عنها ، ولم تحذركم النذر منها .
قوله تعالى : " تكاد تميز من الغيظ " يعني تتقطع وينفصل بعضها من بعض ، قاله سعيد بن جبير . وقال ابن عباس والضحاك وابن زيد : تتفرق .
" من الغيظ " من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى . وقيل : " من الغيظ " من الغليان . وأصل " تميز " تتميز . " كلما ألقي فيها فوج " أي جماعة من الكفار . " سألهم خزنتها " على جهة التوبيخ والتقريع " ألم يأتكم نذير " أي رسول في الدنيا ينذركم هذا اليوم حتى تحذروا .
ولما وصفها بالفوران ، بين سببه تمثيلاً لشدة{[66838]} اشتعالها عليهم فقال : { تكاد تميز } أي تقرب من{[66839]} أن ينفصل بعضها من بعض ، كما يقال : يكاد فلان ينشق من غيظه ، وفلان غضب فطارت شقه منه في الأرض وشقه في السماء - كناية عن شدة الغضب { من الغيظ } أي عليهم ، كأنه حذف إحدى التائين إشارة إلى أنه يحصل منها{[66840]} افتراق واتصال على وجه من السرعة ، لا يكاد يدرك حق الإدراك ، وذلك كله لغضب سيدها . وتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر بألف زمام ، لكل زمام سبعون ألف ملك يقودونها به ، وهي شدة الغيظ . تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة{[66841]} جميعاً وتحطم أهل المحشر ، فلا يردها عنهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، يقابلها بنوره فترجع ، مع أن لكل ملك من القوة ما لو أمر به{[66842]} أن يقتلع الأرض وما عليها من الجبال و{[66843]}يصعد بها في{[66844]} الجو فعل من غير كلفة ، وهذا كما أطفأها في الدنيا بنفخة كما رواه الجماعة إلا الترمذي وهذا لفظ أبي داود{[66845]} عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : " انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر صلاته إلى أن قال : ثم نفخ في آخر سجوده . فقال : أف أف ألم تعدني أن لا تعذبهم {[66846]}وأنا فيهم{[66847]} وهم يستغفرون " وفي رواية النسائي أنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " لقد أدنيت مني النار حتى جعلت ألفتها خشية أن تغشاكم " .
ولما ذكر سبحانه حالها ، أتبعه حالهم في تعذيب القلب باعتقادهم أنهم ظلمة على وجه ، بين السبب في عذابهم زجراً عنه فقال : { كلما } ولما{[66848]} كان المنكىء مجرد الإلقاء بني للمفعول ، دلالة على ذلك وعلى حقارتهم بسهولة إلقائهم قوله{[66849]} : { ألقي فيها } أي{[66850]} جهنم بدفع الزبانية بهم الذين هم أغيظ عليهم من النار ، { فوج } أي جماعة هم في غاية الإسراع موجفين مضطربي الأجواف من شدة السوق{[66851]} { سألهم } أي ذلك الفوج { خزنتها } أي{[66852]} النار سؤال توبيخ وتقريع وإرجاف .
ولما كان كأنه قيل : ما كان سؤالهم ؟ قال : قالوا موبخين لهم مبكتين محتجين عليهم في استحقاقهم العذاب ، زيادة في عذابهم بتعذيب أرواحهم بعد تعذيب أشباحهم : { ألم يأتكم } أي في الدنيا { نذير * } أي يخوفكم هذا العقاب ويذكركم بما حل بكم ، وبما حل ممن{[66853]} قبلكم من المثلاث ، لتكذيبهم بالآيات ، ويقرأ عليكم الكتب المنزلات .
قوله : { تكاد تميّز من الغيظ } أي تكاد النار تتقطع أو ينفصل بعضها من بعض ، لشدة غيظها منهم وغضبها عليهم ، { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } كلما ألقي في النار طائفة من الظالمين الخاسرين ، سألهم زبانية جهنم على سبيل التوبيخ وزيادة في التنكيل : ألم يأتكم رسل يبلّغونكم دعوة ربكم ويحذرونكم مثل هذا اليوم البئيس .