تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

المفردات :

دحاها : بسطها وأوسعها لسكنى أهلها .

التفسير :

30- والأرض بعد ذلك دحاها .

خلق الله الأرض في يومين ، وخلق الجبال والبحار والأنهار في يومين ، ثم خلق السماء في يومين ، واستمر التحسين والإبداع والتكامل في خلق الكون ، فمرّ الخلق بعدة مراحل :

- منها مرحلة الإيجاد .

- ثم مرحلة تكامل الخلق وصلاحيته للوجود ، فالسماء شمّاء عالية ، ملساء مستوية ، بها النجوم والشموس والأقمار والملائكة والإبداع ، والأرض بها البحار والنهار والنبات ، والجبال والإنسان والحيوان ، والحشرات والهوام ، ومن إبداع الخلق دحو الأرض ، وجعلها مستديرة منبعجة عند خط الاستواء ، مفرطحة عند القطبين .

وقد استجاب الكون لقدرة القدير ، فخلق السماء والأرض ، وجعل الظلمات والنور ، والكون كله دائر بين الخلق والجعل .

قال تعالى : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور . . . ( الأنعام : 1 ) .

قال تعالى : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين* فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم . ( فصلت : 9-12 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

دحاها : مهّدها وجعلها قابلة للسكنى .

ثم بسط الأرضَ ومهّدها للسكنى وسيّر الناسَ والأنعام عليها . فلفظةُ دحاها تعني التكويرَ والبسطَ في ذات الوقت ، فتكون أدلَّ الألفاظ على الأرض المبسوطة في الظاهر المكوّرة في الحقيقة . . وهذا منتهى الإحكام في اختيار اللفظ المناسب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

{ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ } أي : بعد خلق السماء { دَحَاهَا } أي : أودع فيها منافعها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في معنى قوله" بَعْدَ ذلكَ"؛

فقال بعضهم: دُحِيت الأرض من بعد خَلق السماء... عن ابن عباس "والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها والجِبالَ أرْساها" يعني: أن الله خلق السموات والأرض، فلما فرغ من السموات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها، بعد خلق السماء، وأرسى الجبال، يعني بذلك دَحْوها الأقوات، ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلاّ بالليل والنهار، فذلك قوله: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها ألم تسمع أنه قال: أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرعَاها...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: والأرض مع ذلك دحاها... قالوا: وذلك كقول الله عزّ وجلّ: "عُتُلّ بَعْدَ ذَلكَ زنِيمٌ" بمعنى: مع ذلك زنيم...

والقول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن الله تعالى خلق الأرض، وقدّر فيها أقواتها، ولم يَدْحُها، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، لأنه جلّ ثناؤه قال: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها، والمعروف من معنى «بَعْد» أنه خلاف معنى «قَبْل»، وليس في دحو الله الأرض بعد تسويته السموات السبع، وإغطاشه ليلها، وإخراجه ضحاها، ما يوجب أن تكون الأرض خُلقت بعد خلق السموات، لأن الدحو إنما هو البسط -في كلام العرب – والمدّ...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

فسره بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}... عن ابن عباس: {دَحَاهَا} وَدَحْيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشقق فيها الأنهار، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{والأرض} ولما كان المراد استغراق الزمان باستمرار الدحو، حذف الخافض فقال: {بعد ذلك} أي المذكور كله {دحاها} أي بسطها ومدها للسكنى وبقية المنافع بعد أن كان خلقها وأوجدها قبل إيجاد السماء غير مسواة بالفعل ولا مدحوة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ودحو الأرض تمهيدها وبسط قشرتها، بحيث تصبح صالحة للسير عليها، وتكوين تربة تصلح للإنبات، وإرساء الجبال وهو نتيجة لاستقرار سطح الأرض ووصول درجة حرارته إلى هذا الاعتدال الذي يسمح بالحياة. والله أخرج من الأرض ماءها سواء ما يتفجر من الينابيع، أو ما ينزل من السماء فهو أصلا من مائها الذي تبخر ثم نزل في صورة مطر. وأخرج من الأرض مرعاها وهو النبات الذي يأكله الناس والأنعام وتعيش عليه الأحياء مباشرة وبالواسطة.. وكل أولئك قد كان بعد بناء السماء، وبعد إغطاش الليل وإخراج الضحى. والنظريات الفلكية الحديثة تقرب من مدلول هذا النص القرآني حين تفترض أنه قد مضى على الأرض مئات الملايين من السنين، وهي تدور دوراتها ويتعاقب الليل والنهار عليها قبل دحوها وقبل قابليتها للزرع. وقبل استقرار قشرتها على ما هي عليه من مرتفعات ومستويات...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ولأجل الاهتمام بدلالة خلق الأرض وما تحتوي عليه قُدم اسم {الأرض} على فعله وفاعِله فانتصب على طريقة الاشتغال، والاشتغال يتضمن تأكيداً باعتبار الفعل المقدر العامل في المشتغل عنه الدال عليه الفعلُ الظاهر المشتغل بضمير الاسم المقدم. والدَّحْو...

البسط والمدّ بتسوية. والمعنى: خلقها مدحوَّة، أي مبسوطة مسوّاة. والإِشارة من قوله: {بعد ذلك} إلى ما يفهم من {بناها رفع سمكها فسواها} [النازعات: 27، 28]، أي بعد خلق السماء خلق الأرض مدحوَّة. والبعدية ظاهرها: تأخر زمان حصول الفعل، وهذه الآية أظهر في الدلالة على أن الأرض خلقت بعد السماوات وهو قول قتادة ومقاتل والسدّي، وهو الذي تؤيده أدلة علم الهيئة. وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} في سورة البقرة (29)، وما ورد من الآيات مما ظاهره كظاهر آية سورة البقرة تأويله واضح. ويجوز أن تكون البعدية مجازاً في نزول رتبة ما أضيف إليه {بعد} عن رتبة ما ذُكر قبله كقوله تعالى: {عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: 13]...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

" والأرض بعد ذلك دحاها " أي بسطها . وهذا يشير إلى كون الأرض بعد السماء . وقد مضى القول فيه في أول " البقرة " {[15787]} عند قوله تعالى : " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ، ثم استوى إلى السماء " [ البقرة : 29 ] مستوفى .

والعرب تقول : دحوت الشيء أدحوه دحوا : إذا بسطته . ويقال لعش النعامة أُدحِي ؛ لأنه مبسوط على وجه الأرض . وقال أمية بن أبي الصلت :

وبثَّ الخلق فيها إذ دحاها *** فهم قُطَّانُهَا حتى التنادِي{[15788]}

وأنشد المبرد :

دحاها فلما رآها استوت *** على الماءِ أرْسَى عليها الجِبَالاَ

وقيل : دحاها سواها ، ومنه قول زيد بن عمرو :

وأسلمتُ وَجْهِي لمن أسلمتْ *** له الأرض تحمل صَخْراً ثِقَالاَ

دحاها فلما استوت شدَّها *** بأيدٍ وأرسَى عليها الجِبالاَ

وعن ابن عباس : خلق الله الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان ، قبل أن يخلق الدنيا بألف عام ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت . وذكر بعض أهل العلم أن " بعد " في موضع " مع " كأنه قال : والأرض مع ذلك دحاها ، كما قال تعالى : " عتل بعد ذلك زنيم " [ القلم : 13 ] . ومنه قولهم : أنت أحمق وأنت بعد هذا سيء الخلق ، قال الشاعر :

فقلت لها عنِّي إليكِ فإنني *** حرامٌ وإني بعد ذاك لَبيبُ

أي مع ذلك لبيب . وقيل : بعد : بمعنى قبل ، كقوله تعالى : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر " [ الأنبياء : 105 ] أي من قبل الفرقان ، قال أبو خراش الهذلي :

حَمَدْتُ إلهِي بعد عروة إذ نجا *** خِرَاشٌ وبعضُ الشَّرِّ أهونُ من بعض

وزعموا أن خراشا نجا قبل عروة . وقيل : " دحاها " : حرثها وشقها . قال ابن زيد . وقيل : دحاها مهدها للأقوات . والمعنى متقارب وقراءة العامة " والأرض " بالنصب ، أي دحا الأرض . وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون " والأرض " بالرفع ، على الابتداء ؛ لرجوع الهاء . ويقال : دحا يدحو دحوا ودحى يدحى دحيا ، كقولهم : طغى يطغي ويطغو ، وطغي يطغي ، ومحا يمحو ويمحي ، ولحى العود يلحى ويلحو ، فمن قال : يدحو قال دحوت ومن قال يدحى قال دحيت .


[15787]:راجع جـ 1 ص 255.
[15788]:مضى هذا البيت في جـ 15 ص 210 بلفظ: سكانها. والمعنى واحد.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

{ والأرض بعد ذلك دحاها } أي : بسطها واستدل بها من قال : إن الأرض بسيطة غير كروية وقد ذكرنا في فصلت الجمع بين هذا وبين قوله : { ثم استوى إلى السماء } .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

ولما بدأ بدلالة العالم العلوي لأنه أدل لما فيه من العجائب والمنافع مع كونه أشرف ، فذكر أنه أتقن السماء التي هي كالذكر ، ثنى بأنه سوى ما هي لها كالأنثى فقال : { والأرض } ولما كان المراد استغراق{[71520]} الزمان باستمرار الدحو{[71521]} ، حذف الخافض فقال : { بعد ذلك } أي المذكور كله { دحاها } أي بسطها ومدها للسكنى وبقية المنافع بعد أن كان خلقها وأوجدها قبل إيجاد السماء غير مسواة بالفعل ولا مدحوة .


[71520]:من ظ و م، وفي الأصل: باستغراق.
[71521]:من ظ و م، وفي الأصل: المدحو.