قوله تعالى : { والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } أي : بسطها ، و«بَعْدَ » على بابها من التأخير ، ولا معارضة بينها وبين آية فُصلت ؛ لأنَّه - تعالى - خلق الأرض غير مدحوة ، ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض .
وقول أبي عبيدة : إنَّها بمعنى : «قَبْلَ » منكرٌ عند العلماء .
والعرب تقول : دحوتُ الشيء ادحوهُ دحْواً : إذا بسطه ، ودحَى يَدحِي دَحْياً : إذا بسطه ، فهو من ذوات الواو والياء ، فيكتب بالألف ، والياء .
وقيل لعشّ النَّعامة : أدحو ، وأدحى لانبساطه في الأرض .
وقال أمية بن أبي الصلت : [ الوافر ]
5102- وبَثَّ الخَلْقَ فِيهَا إذْ دَحاهَا *** فَهُمْ قُطَّانُهَا حتَّى التَّنَادِي{[59302]}
قال زيدُ بنُ عمرو بن نفيلٍ : [ المتقارب ]
5103- وأسْلَمْتُ وجْهِي لِمَنْ أسْلمَتْ *** لَهُ الأرْضُ تَحْمِلُ صَخْراً ثِقَالاً
دَحَاهَا فلمَّا اسْتَوَتْ شَدَّهَا *** بأيدٍ وأرْسَى عَلَيْهَا الجِبَالا{[59303]}
والعامة : على نصب الأرض ، والجبال على إضمار فعلٍ مفسَّر بما بعده ، وهو المختار لتقدُّم جملة فعلية .
ورفعهما{[59304]} الحسن ، وابن أبي عبلة ، وأبو حيوة وأبو السمال وعمرو بن عبيد ، برفعهما على لابتداء ، وعيسى برفع «الأرض » فقط .
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : خلق الله تعالى الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان ، وكان قبل أن يخلق الدُّنيا بألفي عام ، ثم دُحيتِ الأرض من تحت البيت{[59305]} .
وحكى القرطبي{[59306]} عن بعض أهل العلم أنَّ «بَعْدَ » هنا في موضع : «مع » ، كأنَّه قال : والأرض مع ذلك دحاها ، كقوله تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [ القلم : 13 ] ، ومنه قولهم : «أنت أحمق ، وأنت بعد هذا سيِّئُ الخلقِ » ؛ وقال الشاعر : [ الطويل ]
5104 - فَقُلت لَهَا : عَنِّي إليْك فإنَّنِي*** حَرامٌ ، وإنِّي بَعْدَ ذَاكَ لَبِيبُ{[59307]}
وقيل : «بعد » بمعنى : «قبل » كقوله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر } [ الأنبياء : 105 ] أي : من قبلِ الفرقان ؛ قال أبو كثير : [ الطويل ]
5105- حَمدْتُ إلَهِي بَعْدَ عُرْوةَ إذْ نَجَا *** خِراشٌ وبَعْضُ الشَّرِّ أهونُ مِنَ بعضِ{[59308]}
وزعموا أن خِراشاً نجا قبل عروة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.