اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

قوله تعالى : { والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } أي : بسطها ، و«بَعْدَ » على بابها من التأخير ، ولا معارضة بينها وبين آية فُصلت ؛ لأنَّه - تعالى - خلق الأرض غير مدحوة ، ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض .

وقول أبي عبيدة : إنَّها بمعنى : «قَبْلَ » منكرٌ عند العلماء .

والعرب تقول : دحوتُ الشيء ادحوهُ دحْواً : إذا بسطه ، ودحَى يَدحِي دَحْياً : إذا بسطه ، فهو من ذوات الواو والياء ، فيكتب بالألف ، والياء .

وقيل لعشّ النَّعامة : أدحو ، وأدحى لانبساطه في الأرض .

وقال أمية بن أبي الصلت : [ الوافر ]

5102- وبَثَّ الخَلْقَ فِيهَا إذْ دَحاهَا *** فَهُمْ قُطَّانُهَا حتَّى التَّنَادِي{[59302]}

وقيل : دَحَى بمعنى سوَّى .

قال زيدُ بنُ عمرو بن نفيلٍ : [ المتقارب ]

5103- وأسْلَمْتُ وجْهِي لِمَنْ أسْلمَتْ *** لَهُ الأرْضُ تَحْمِلُ صَخْراً ثِقَالاً

دَحَاهَا فلمَّا اسْتَوَتْ شَدَّهَا *** بأيدٍ وأرْسَى عَلَيْهَا الجِبَالا{[59303]}

والعامة : على نصب الأرض ، والجبال على إضمار فعلٍ مفسَّر بما بعده ، وهو المختار لتقدُّم جملة فعلية .

ورفعهما{[59304]} الحسن ، وابن أبي عبلة ، وأبو حيوة وأبو السمال وعمرو بن عبيد ، برفعهما على لابتداء ، وعيسى برفع «الأرض » فقط .

فصل

روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : خلق الله تعالى الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان ، وكان قبل أن يخلق الدُّنيا بألفي عام ، ثم دُحيتِ الأرض من تحت البيت{[59305]} .

وحكى القرطبي{[59306]} عن بعض أهل العلم أنَّ «بَعْدَ » هنا في موضع : «مع » ، كأنَّه قال : والأرض مع ذلك دحاها ، كقوله تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [ القلم : 13 ] ، ومنه قولهم : «أنت أحمق ، وأنت بعد هذا سيِّئُ الخلقِ » ؛ وقال الشاعر : [ الطويل ]

5104 - فَقُلت لَهَا : عَنِّي إليْك فإنَّنِي*** حَرامٌ ، وإنِّي بَعْدَ ذَاكَ لَبِيبُ{[59307]}

أي : مع ذلك .

وقيل : «بعد » بمعنى : «قبل » كقوله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر } [ الأنبياء : 105 ] أي : من قبلِ الفرقان ؛ قال أبو كثير : [ الطويل ]

5105- حَمدْتُ إلَهِي بَعْدَ عُرْوةَ إذْ نَجَا *** خِراشٌ وبَعْضُ الشَّرِّ أهونُ مِنَ بعضِ{[59308]}

وزعموا أن خِراشاً نجا قبل عروة .

وقيل : «دَحاهَا » حرثها وشقَّها ، قاله ابن زيد .

وقيل : «دَحاهَا » مهَّدها للأقوات ، والمعنى متقارب .


[59302]:ينظر القرطبي 19/133، والبحر 8/410، والدر المصون 6/475، وفتح القدير 5/379.
[59303]:ينظر القرطبي 19/133، والبحر 8/411، والدر المصون 6/475، وفتح القدير 5/379.
[59304]:ينظر: المحرر الوجيز 5/434، والبحر المحيط 8/415، والدر المصون 6/375.
[59305]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/438)، من طريق عكرمة عن ابن عباس وينظر تفسير القرطبي (19/133).
[59306]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 19/133.
[59307]:تقدم.
[59308]:البيت ليس لأبي كبير الهذلي، ولكنه لأبي خراش الهذلي من قصيدة قالها عندما قتل أخوه عروة ونجا أبو خراش من الموت. ينظر ديوان الهذليين 2/157، وشرح ديوان الحماسة للتبرزي 1/326، وشرح المفصل 3/117، والطبري 30/29، والقرطبي 19/133.