فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

{ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها } أي بعد خلق السماء ، ومعنى { دحاها } بسطها ، وهذا يدلّ على أن خلق الأرض بعد خلق السماء ، ولا معارضة بين هذه الآية وبين ما تقدّم في سورة فصلت من قوله : { ثُمَّ استوى إِلَى السماء } [ فصلت : 11 ] بل الجمع بأنه سبحانه خلق الأرض أوّلاً غير مدحوّة ثم خلق السماء ثم دحا الأرض ، وقد قدّمنا الكلام على هذا مستوفى هنالك ، وقدّمنا أيضاً بحثاً في هذا في أوّل سورة البقرة عند قوله : { هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرض جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] وذكر بعض أهل العلم أن بعد بمعنى مع كما في قوله : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [ القلم : 13 ] ، وقيل : بعد بمعنى قبل كقوله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر } [ الأنبياء : 105 ] أي من قبل الذكر ، والجمع الذي ذكرناه أولى ، وهو قول ابن عباس وغير واحد ، واختاره ابن جرير . يقال : دحوت الشيء أدحوه : إذا بسطته ، ويقال : لعشّ النعامة أدحى لأنه مبسوط على الأرض ، وأنشد المبرد :

دحاها فلما رآها استوت *** على الماء أرسى عليها الجبالا

وقال أمية بن أبي الصلت :

وبثّ الخلق فيها إذا دحاها *** فهم قطانها حتى التنادي

وقال زيد بن عمرو بن نفيل :

وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثقالاً

دحاها فلما استوت شدّها *** بأيد وأرسى عليها الجبالا

قرأ الجمهور بنصب { الأَرْضَ } على الاشتغال ، وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون وابن أبي عبلة وأبو حيوة وأبو السماك وعمرو بن عبيد ونصر بن عاصم بالرفع على الابتداء .

/خ46