الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في معنى قوله" بَعْدَ ذلكَ"؛

فقال بعضهم: دُحِيت الأرض من بعد خَلق السماء... عن ابن عباس "والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها والجِبالَ أرْساها" يعني: أن الله خلق السموات والأرض، فلما فرغ من السموات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها، بعد خلق السماء، وأرسى الجبال، يعني بذلك دَحْوها الأقوات، ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلاّ بالليل والنهار، فذلك قوله: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها ألم تسمع أنه قال: أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرعَاها...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: والأرض مع ذلك دحاها... قالوا: وذلك كقول الله عزّ وجلّ: "عُتُلّ بَعْدَ ذَلكَ زنِيمٌ" بمعنى: مع ذلك زنيم...

والقول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن الله تعالى خلق الأرض، وقدّر فيها أقواتها، ولم يَدْحُها، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، لأنه جلّ ثناؤه قال: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها، والمعروف من معنى «بَعْد» أنه خلاف معنى «قَبْل»، وليس في دحو الله الأرض بعد تسويته السموات السبع، وإغطاشه ليلها، وإخراجه ضحاها، ما يوجب أن تكون الأرض خُلقت بعد خلق السموات، لأن الدحو إنما هو البسط -في كلام العرب – والمدّ...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

فسره بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}... عن ابن عباس: {دَحَاهَا} وَدَحْيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشقق فيها الأنهار، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{والأرض} ولما كان المراد استغراق الزمان باستمرار الدحو، حذف الخافض فقال: {بعد ذلك} أي المذكور كله {دحاها} أي بسطها ومدها للسكنى وبقية المنافع بعد أن كان خلقها وأوجدها قبل إيجاد السماء غير مسواة بالفعل ولا مدحوة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ودحو الأرض تمهيدها وبسط قشرتها، بحيث تصبح صالحة للسير عليها، وتكوين تربة تصلح للإنبات، وإرساء الجبال وهو نتيجة لاستقرار سطح الأرض ووصول درجة حرارته إلى هذا الاعتدال الذي يسمح بالحياة. والله أخرج من الأرض ماءها سواء ما يتفجر من الينابيع، أو ما ينزل من السماء فهو أصلا من مائها الذي تبخر ثم نزل في صورة مطر. وأخرج من الأرض مرعاها وهو النبات الذي يأكله الناس والأنعام وتعيش عليه الأحياء مباشرة وبالواسطة.. وكل أولئك قد كان بعد بناء السماء، وبعد إغطاش الليل وإخراج الضحى. والنظريات الفلكية الحديثة تقرب من مدلول هذا النص القرآني حين تفترض أنه قد مضى على الأرض مئات الملايين من السنين، وهي تدور دوراتها ويتعاقب الليل والنهار عليها قبل دحوها وقبل قابليتها للزرع. وقبل استقرار قشرتها على ما هي عليه من مرتفعات ومستويات...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ولأجل الاهتمام بدلالة خلق الأرض وما تحتوي عليه قُدم اسم {الأرض} على فعله وفاعِله فانتصب على طريقة الاشتغال، والاشتغال يتضمن تأكيداً باعتبار الفعل المقدر العامل في المشتغل عنه الدال عليه الفعلُ الظاهر المشتغل بضمير الاسم المقدم. والدَّحْو...

البسط والمدّ بتسوية. والمعنى: خلقها مدحوَّة، أي مبسوطة مسوّاة. والإِشارة من قوله: {بعد ذلك} إلى ما يفهم من {بناها رفع سمكها فسواها} [النازعات: 27، 28]، أي بعد خلق السماء خلق الأرض مدحوَّة. والبعدية ظاهرها: تأخر زمان حصول الفعل، وهذه الآية أظهر في الدلالة على أن الأرض خلقت بعد السماوات وهو قول قتادة ومقاتل والسدّي، وهو الذي تؤيده أدلة علم الهيئة. وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} في سورة البقرة (29)، وما ورد من الآيات مما ظاهره كظاهر آية سورة البقرة تأويله واضح. ويجوز أن تكون البعدية مجازاً في نزول رتبة ما أضيف إليه {بعد} عن رتبة ما ذُكر قبله كقوله تعالى: {عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: 13]...