غضب الله عليهم : طردهم من رحمته .
من الآخرة : من ثوابها ونعيمها .
من أصحاب القبور : من رجوع موتاهم إليهم ، لأنهم لا يعتقدون ببعث ولا نشور .
13- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } .
هذه الآية ختام سورة الممتحنة ، وقد ذكر في صدرها النهي عن موالاة الكافرين للأعداء ، أو إرشادهم إلى أسرار المسلمين ، ويأتي الختام مؤكدا للصدر ، يأتي ختام السورة هُتافا بالمؤمنين ، ألاّ يقدّموا مودتهم لليهود أو المشركين الذين يئسوا من نعيم الآخرة لإقبالهم على الدنيا ، واهتمامهم بها ، والعمل لها ، كأنه لا أمل في نعيم الآخرة ، كما يئس كفار مكة وأشباههم من لقاء الموتى أصحاب القبور ، لأنهم لا يؤمنون بالبعث والحشر والثواب والعقاب .
قد يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا .
وقيل في هذه الآية معنى آخر ، قال ابن كثير :
كما يئس الكفار الذين هم في القبور من كل خير ، قال ابن مسعود : قوله تعالى : { كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } . معناه : كما يئس هذا الكافر إذا مات ، وعاين ثوابه واطلع عليه .
وقال الزمخشري : روي أن بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم ، فنزل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ . . . }الآية .
ii غدروا بنا ونحن عاكفون على صلاتنا بالليل .
iv المصانعة : المجاملة والسبق بالمعروف .
رواه البخاري في المغازي ( 3983 ) من حديث علي رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير ابن العوام وكلنا فارس ، قال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين " ، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : الكتاب ، فقالت : ما معنا كتاب ، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك ، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته ، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا رسول الله ، قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما حملك على ما صنعت ؟ " قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدق ، ولا تقولوا له إلا خيرا " ، فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال : " أليس من أهل بدر " ؟ فقال : " لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة – أو – فقد غفرت لكم " . فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم .
viii انظر تفسيري الطبري وابن كثير .
ix د . محمد سيد طنطاوي ، التفسير الوسيط ، الجزء 28 ص 428 .
x تفسير التحرير والتنوير ج 28 ص 139 الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ، قال : واللام في للذين للمِلك ، ويجوز أن يكون المعنى : لا تجعلنا فاتنين للذين كفروا بضعفنا وتفرقنا .
رواه البخاري في الهبة ( 2620 ) وفي الجزية ( 3183 ) ومسلم في الزكاة ( 1003 ) وأبو داود ( 1668 ) وأحمد في مسنده ( 26375 ) من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قال : قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : وهي راغبة أفأصل أمي ؟ قال : " نعم صلي أمك " .
xii تفسير الطبري مجلد 12 ص 69 ، سورة الممتحنة الآيتان ( 9-10 ) دار الغد العربي ، العباسية ، القاهرة .
xiii التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي .
xiv والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة :
رواه البخاري في تفسير القرآن ( 4891 ) من حديث عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } إلى قوله : { غفور رحيم } قال عروة : قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد بايعتك " كلاما . ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله : " قد بايعتك على ذلك " .
رواه النسائي في البيعة ( 4181 ) وابن ماجة في الجهاد ( 2874 ) وأحمد في مسنده ( 26466 ) من حديث أميمة بنت رقيقة أنها قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة من الأنصار نبايعه فقلنا : يا رسول الله ، نبايعك على ألا شرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف قال : " فيما استطعتن وأطلقتن " .
قالت : قلنا : الله ورسوله أرحم بنا ، هلم نبايعك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة " .
xvi صفوة التفاسير للأستاذ محمد علي الصابوني ، ناقلا عن تفسير البحر المحيط 8/258 والتفسير الكبير للرازي 29/307 .
xvii أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا :
رواه البخاري في تفسير القرآن ( 4894 ) ومسلم ( 1709 ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا " ، وقرأ آية النساء وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية . " فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " . تابعه عبد الرزاق عن معمر في الآية .
رواه البخاري في الجنائز ( 1294 ) وأحمد في مسنده ( 4100 ) من حديث عبد الله رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " .
غضبَ الله عليهم : طردهم من رحمته .
يئسوا من الآخرة : يئسوا من ثوابها لأنهم لم يؤمنوا بها .
كما يئس الكفار من أصحاب القبور : لأنهم يعتقدون أنهم لا يرجعون .
ثم كرر الله النهيَ هنا عن موالاة المشركين . فقد بدأ أولُ السورة بنداء المؤمنين ونهيهم عن موالاة المشركين ، ثم خُتمت بتكرار النهي عن موالاتهم ، وأن الله غضبَ عليهم وطردَهم من رحمته . . والغرض هو تحذير المؤمنين من أعداء الله ، وأن لا يأمنوهم على شيء ، ولا يركنوا إلى أكاذيبهم ودسائسهم .
ثم بين أوصافهم ومعتقداتهم بقوله : { قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور } إنهم لا يرجون لقاء الله ولم يؤمنوا بالبعث ، كما يئس الكفار من بعث موتاهم مرة أخرى .
{ 13 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ }
أي : يا أيها المؤمنون ، إن كنتم مؤمنين بربكم ، ومتبعين لرضاه ومجانبين لسخطه ، { لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } وإنما غضب عليهم لكفرهم ، وهذا شامل لجميع أصناف الكفار . { قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ } أي : قد حرموا من خير الآخرة ، فليس لهم منها نصيب ، فاحذروا أن تولوهم فتوافقوهم على شرهم وكفرهم{[1067]} فتحرموا خير الآخرة كما حرموا .
[ وقوله ] { كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } حين أفضوا إلى الدار الآخرة ، ووقفوا على حقيقة الأمر{[1068]} وعلموا علم اليقين أنهم لا نصيب لهم منها . ويحتمل أن المعنى : قد يئسوا من الآخرة أي : قد أنكروها وكفروا بها ، فلا يستغرب حينئذ منهم الإقدام على مساخط الله وموجبات عذابه وإياسهم من الآخرة ، كما يئس الكفار المنكرون للبعث في الدنيا من رجوع أصحاب القبور إلى الله تعالى .
{ لا تتولوا قوما غضب الله عليهم } يعني : اليهود وكان بعض فقراء المسلمين يتودد إليهم ليصيبوا من أموالهم ، وقيل : يعني : كفار قريش ، والأول أظهر لأن الغضب قد صار عرفا لليهود كقوله : { غير المغضوب عليهم } [ الفاتحة : 7 ] .
{ قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } من قال إن القوم الذين غضب الله عليهم هم اليهود ، فمعنى { يئسوا من الآخرة } يئسوا من خير الآخرة والسعادة فيها ومن قال إن القوم الذين غضب الله عليهم هم كفار قريش ، فالمعنى يئسوا من وجود الآخرة ، وصحتها لأنهم مكذبون بها تكذيبا جزما وقوله : { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يريد كما يئس الكفار المكذبون بالبعث من بعث أصحاب القبور فقوله : { من أصحاب } يتعلق ب{ يئس } وهو على حذف مضاف .
والآخر : أن يكون من أصحاب القبور لبيان الجنس أي : كما يئس الذين في القبور من سعادة الآخرة لأنهم تيقنوا أنهم يعذبون فيها .
ولما ذكر ما أمر به نبيه{[64748]} صلى الله عليه وسلم في المبايعات بعد أن عد الذين آمنوا أصلاً في امتحان{[64749]} المهاجرات فعلم من ذلك أن تولي النساء مع أنه لا ضرر فيهن بقتال ونحوه لا يسوغ إلا بعد العلم بإيمانهن ، وكان الختم بضفتي الغفران{[64750]} والرحمة مما جرأه على محاباة المؤمنين لبعض الكفار من أزواج أو غيرهم لقرابة أو غيرها لعلة يبديها الزوج أو غير لك من الأمور ، كرر سبحانه الأمر بالبراءة من كل عدو ، رداً لآخر السورة على أولها تأكيداً للإعراض عنهم وتنفيراً من توليهم كما أفهمته آية المبايعة وآية الامتحان ، فقال ملذذاً لهم بالإقبال بالخطاب كما فعل أولها بلذيذ العتاب : { يا أيها الذين آمنوا } .
ولما كان الميل عن الطريق الأقوام على خلاف ما تأمر به الفطرة الأولى فلا يكون إلا عن{[64751]} معالجتها ، عبر{[64752]} بالتفعل كما عبر به أول السورة بالافتعال فقال : { لا تتولوا } أي تعالجوا أنفسكم{[64753]} أن تتولوا { قوماً } أي{[64754]} ناساً لهم قوة على ما يحاولونه فغيرهم من باب الأولى { غضب الله } أي أوقع الملك الأعلى الغضب { عليهم } لإقبالهم على ما أحاط بهم من الخطايا فهو عام في كل من اتصف بذلك يتناول اليهود تناولاً أولياً .
ولما كان السامع لهذا يتوقع بيان سبب الغضب ، قال معللاً ومبيناً أنه لا خير فيهم يرجى وإن ظهر خلاف ذلك : { قد يئسوا } أي تحققوا عدم الرجاء { من الآخرة } أي من أن ينالهم منها{[64755]} خير ما لإحاطة معاصيهم بهم أو لعدم اعتقادهم لقيامها{[64756]} ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، فيوشك من والاهم يكتب {[64757]}منهم{[64758]} فيحل بهم الغضب { كما يئس } من نيل الخير منها{[64759]} { الكفار } ولما كان{[64760]} من مات فصار أهلاً للدفن كشف له{[64761]} عن أحوال القيامة فعرف أنه ناج أو هالك ، وكان الموتى أعم من الكفار ، وموتى الكفار أعم ممن يدفن منهم فقال : { من أصحاب القبور * } فإن الكفار منهم قد علموا يأسهم من حصول الخير منها علماً قطعياً ، ويجوز أن يكون { من } ابتدائية فيكون المعنى : كما يئس عباد الأوثان من لقاء من مات ، فدفن باعتقاد أنه لا اجتماع بينهم{[64762]} أصلاً لأنه لا يمكن بعثه لا إلى الدنيا ولا إلى الآخرة{[64763]} لأنه لا آخرة{[64764]} عندهم أصلاً{[64765]} لا سيما إن كان مدفوناً في قبر ، وعلى هذا{[64766]} يكون{[64767]} الظاهر وضع موضع{[64768]} المضمر للدلالة على أن{[64769]} الذي أيأسهم تغطية الدلائل مع وضوحها لو أنصفوا ، فلا تتولوا من هذه صفته فيكون بينكم وبينه{[64770]} ما بين القريب مع قريبه{[64771]} من تولى كل منهم من الآخر ما يتولاه القريب الصديق لقريبه فإن توليهم{[64772]} ضرر لا نفع فيه فإن من غضب عليه الملك الشهيد لكل حركاته وسكناته لا يفلح هو ولا من تولاه ، وأقل ما في ولايته من الضرر أنها تنقطع المعاونة فيها ، والمشاركة بالموت وإن كان بعد الموت مشاركة ففي العذاب الدائم {[64773]}المستمر الذي لا ينقطع عنهم{[64774]} والخزي اللازم ، وقد علم أن هذا الآخر هو أولها ، وهذا الموصل مفصلها ، فسبحانه من أنزله كتاباً معجزاً حكيماً{[64775]} ، وقرآناً موجزاً جامعاً عظيماً .