{ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا 25 وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا 26 إنك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفّارا 27 رب اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا 28 )
مما خطيئاتهم : من أجل ذنوبهم وآثامهم .
فأدخلوا نارا : عذابا في القبر .
24- مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا .
بسب ذنوبهم ، وإعراضهم عن الإيمان ، وإصرارهم على الكفر ، أغرقهم الله بالطوفان ، ثم أدخلهم النار في عذاب القبر ، أو أدخلهم نار جهنم ، فلم يجدوا أحدا ينصرهم ، ولم تنفعهم الأصنام التي عبدوها من دون الله ، لقد حاق سوء عملهم ، فأهلكهم الغرق في الدنيا ، ولهم عذاب السعير يوم القيامة .
وقريب من ذلك قوله تعالى : فدعا ربه أني مغلوب فانتصر* ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . ( القمر : 10 ، 11 ) .
{ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا } في اليم الذي أحاط بهم { فَأُدْخِلُوا نَارًا } فذهبت أجسادهم في الغرق وأرواحهم للنار والحرق ، وهذا كله بسبب خطيئاتهم ، التي أتاهم نبيهم نوح ينذرهم عنها ، ويخبرهم بشؤمها ومغبتها ، فرفضوا ما قال ، حتى حل بهم النكال ، { فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا } ينصرونهم حين نزل بهم الأمر الأمر ، ولا أحد يقدر يعارض القضاء والقدر .
{ مما خطيئاتهم أغرقوا } هذا من كلام الله إخبارا عن أمرهم ، وما زائدة للتأكيد وإنما قدم هذا المجرور للتأكيد أيضا ليبين أن إغراقهم وإدخالهم النار ، إنما كان بسبب خطاياهم وهي الكفر وسائر المعاصي .
{ فأدخلوا نارا } يعني : جهنم وعبر عن ذلك بالفعل الماضي لأن الأمر محقق وقيل : أراد عرضهم على النار وعبر عنه بالإدخال .
ولما فرغ من أمرهم في ضلالهم ، ودعا رسولهم صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق إلا إهلاكهم . وكان من مفهومات الضلال المحق وإذهاب العين كما يضل الماء في اللبن ، قال مبيناً ، إجابته لدعائه ذاكراً الجهة{[68833]} التي أهلكوا بسببها : وأكد ب " ما " النافية في الصورة لضد مضمون الكلام لاعتقاد الكفار أن{[68834]} الإنجاء والإهلاك{[68835]} عادة الدهر : { مما } .
ولما كان الكافر قد أخطأ ثلاث مرات : يكفره في الإيمان بالطاغوت ، وتكذيب ربه ، وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك كافياً في {[68836]}استحقاقه للأخذ{[68837]} قال : { خطيئاتهم{[68838]} } جامعاً له جمع السلامة - في قراءة الجماعة ، وأفهمت قراءة أبي عمرو{[68839]} بجمع التكسير أن لهم مع هذه الأمهات الكافية في الأخذ من الذنوب ما يفوت الحصر يوجب تغليظ ذلك الأخذ ، فهي مشيرة إلى أنه ينبغي الاحتراز من كل{[68840]} الذنب .
ولما كان الموجع{[68841]} إغراقهم لا كونه من معين ، قال مخبراً عما فعل بهم في الدنيا : { أغرقوا } أي بالطوفان بانياً له للمفعول لذلك وللإعلام بأنه في غاية السهولة على الفاعل المختار الواحد القهار ، فطاف الماء عليهم جميع الأرض السهل والجبل ، فلم يبق منهم أحداً{[68842]} ، وكذا الكلام فيما تسبب عنه وتعقبه من قوله : { فأدخلوا } أي بقهر القهار في الآخرة التي أولها البرزخ يعرضون فيه على النار بكرة وعشياً { ناراً * } أي عظيمة جداً أخفها{[68843]} ما يكون من مبادئها في البرزخ ، قال الشيخ ولي الدين الملوي : فعذبوا في الدنيا بالغرق ، وفي الآخرة بالحرق ، والإياس من الرحمة ، وأيّ عذاب أشد من ذلك ، و{[68844]}قال الضحاك{[68845]} : في حالة واحدة كانوا يغرقون {[68846]}في الماء{[68847]} من جانب ويحترقون في الماء من جانب آخر بقدرة الله سبحانه وتعالى ، وفيها دلالة على قول غيره على عذاب القبر .
ولما كانوا قد استندوا إلى آلهتهم لتنصرهم من أخذ الله تعالى ، قال مسبباً عن هذا الإغراق والإدخال مؤيسا{[68848]} من الرحمة ليكون ذلك أشد{[68849]} في العذاب ، فإن الإنسان - كما قال الملوي : - إذا كان في العذاب ويرجو الخلاص يهون عليه الأمر بخلاف ما إذا يئس من الخلاص ، معلماً بأن{[68850]} آلهتهم عاجزة فإنهم لم تغن عنهم شيئاً ، توبيخاً لمن يعبد مثلها : { فلم يجدوا } وحقق الأمر فيهم بقوله : { لهم } أي عندما أناخ الله بهم سطوته وأحل بهم نقمته{[68851]} .
ولما كانت الرتب كلها دون رتبته تعالى ، وكان ليس لأحد أن يستغرق جميع ما تحت رتبته سبحانه من المراتب ، قال مثبتاً الجار : { من دون الله } أي الملك الأعظم الذي تتضاءل المراتب تحت رتبة عظمته وتذل لعزه وجليل سطوته { أنصاراً * } ينصرونهم على من أراد بهم ذلك ليمنعوه مما فعل بهم أو يقتصوا منه لهم بما شهد به شاهد الوجود الذي هو أعدل الشهود من أنه تم ما أراده سبحانه وتعالى من إغراقهم من غير أن يتخلف منهم أحد على كثرتهم وقوتهم لكونهم أعداءه وإنجاء نبيه نوح عليه الصلاة والسلام ومن معه رضوان الله وسلامه عليهم أجمعين على ضعفهم وقلتهم لم يقعد منهم أحد لكونهم أولياءه ، فكما لم يهلك ممن أراد إنجاءه أحد فكذلك لم يسلم منهم ، فمن قال عن عوج ما يقوله القصاص فهو أيضاً ضال أشد ضلال ، فلعنة الله على من يقول : إن الله تعالى كان غير ناصرهم ، مع هذه الدلالات التي هي نص في أنه عدوهم ، وأن نصرهم إنما يكون على نبيه نوح عليه الصلاة والسلام ، واعتقاد ذلك أو شيء منه كفر ظاهر لا محيد عنه بوجه ، وقائل ذلك هو ابن عربي صاحب الفصوص الذي لم يرد بتصنيفه إلا هدم الشريعة المطهرة ، ونظمه أيضا{[68852]} أياً ابن الفارض{[68853]} في تائيته التي سماها بنظم السلوك{[68854]} ، فلعنة الله عليه وعلى من تبعه أو شك في كفره أو توقف في لعنه بعد ما نصب من الضلال الذي سعر به البلاد ، وأردى كثيراً من العباد .