الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{مِّمَّا خَطِيٓـَٰٔتِهِمۡ أُغۡرِقُواْ فَأُدۡخِلُواْ نَارٗا فَلَمۡ يَجِدُواْ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارٗا} (25)

تقديم { مّمَّا خطيائاتهم } لبيان أن لم يكن إغراقهم بالطوفان ، فإدخالهم النار إلا من أجل خطيئاتهم ، وأكد هذا المعنى بزيادة «ما » وفي قراءة ابن مسعود «من خطيئاتهم ما أغرقوا » بتأخير الصلة ، وكفى بها مزجرة لمرتكب الخطايا ، فإن كفر قوم نوح كان واحدة من خطيئاتهم ، وإن كانت كبراهنّ ، وقد نعيت عليهم سائر خطيئاتهم كما نعى عليهم كفرهم ، ولم يفرق بينه وبينهن في استيجاب العذاب ، لئلا يتكل المسلم الخاطىء على إسلامه ، ويعلم أنّ معه ما يستوجب به العذاب وإن خلا من الخطيئة الكبرى . وقرىء «خطيئاتهم » بالهمزة . وخطياتهم بقلبها ياء وإدغامها وخطاياهم وخطيئتهم بالتوحيد على إرادة الجنس . ويجوز أن يراد الكفر { فَأُدْخِلُواْ نَاراً } جعل دخولهم النار في الآخرة كأنه متعقب لإغراقهم ، لاقترابه ، ولأنه كائن لا محالة ، فكأنه قد كان . أو أريد عذاب القبر . ومن مات في ماء أو في نار أو أكلته السباع والطير : أصابه ما يصيب المقبور من العذاب . وعن الضحاك : كانوا يغرقون من جانب ويحرقون من جانب . وتنكير النار إما لتعظيمها ، أو لأن الله أعد لهم على حسب خطيئاتهم نوعاً من النار { فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله أَنصَاراً } تعريض بإتخاذهم آلهة من دون الله وأنها غير قادرة على نصرهم ، وتهكم بهم ، كأنه قال : فلم يجدوا لهم من دون الله آلهة ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله ، كقوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا } [ الأنبياء : 43 ] .