تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة فصلت

سورة فصلت مكية ، نزلت بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، وآياتها ( 54 ) أية ، نزلت بعد سورة غافر .

أسماؤها : تسمى سورة فصلت لقوله تعالى في أوائلها : { كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون } ( فصلت : 3 ) .

وتسمى سورة حم السجدة لاشتمالها على السجدة ، وسورة المصابيح لقوله تعالى : { وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } . ( فصلت : 12 ) .

روح السورة

الروح السارية بين آيات سورة فصلت هي عرض أهداف الدعوة الجديدة وأركانها وحقائقها الأساسية ، وهذه الحقائق هي :

الإيمان بالله وحده ، وبالحياة الآخرة ، وبالوحي والرسالة ، ويضاف إلى ذلك طريقة الدعوة إلى الله وخلق الداعية .

وكل ما في السورة هو شرح لهذه الحقائق ، واستدلال عليها ، وعرض لآيات الله في الأنفس والآفاق ، وتحذير من التكذيب بها ، وتذكير بمصارع المكذبين في الأجيال السابقة ، وعرض لمشاهد المكذبين يوم القيامة ، وبيان أن المكذبين من الجن والإنس هم وحدهم الذين لا يسلمون بهذه الحقائق ، ولا يستسلمون لله وحده ، بينما السماء والأرض والشمس والقمر والملائكة . . . كلهم يسجدون لله ويخضعون لأمره ويسلمون ويستسلمون له .

موضوعات السورة

تنقسم سورة فصلت إلى موضوعين اثنين :

الموضوع الأول :

يشمل نصف السورة الأول ، الآيات من ( 1-36 ) ، ويبدأ بالآيات التي تتحدث عن تنزيل الكتاب وطبيعته ، وموقف المشركين منه ، وتليها قصة خلق السماء والأرض ، فقصة عاد وثمود ، فمشهدهم في الآخرة حيث تشهد عليهم الأسماع والأبصار والجلود ، ومن هنا يرتد إلى الحديث عنهم في الدنيا وكيف ضلوا هذا الضلال ، فيذكر أن الله قيض لهم قرناء سوء من الجن والإنس ، يزينون لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ومن آثار هذا قولهم : { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } . ( فصلت : 26 ) .

ثم موقفهم يوم القيامة حانقين على هؤلاء الذين خدعوهم من قرناء الجن والإنس ، وفي الجهة الأخرى نجد الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، وهؤلاء تتنزل عليهم الملائكة – لا قرناء السوء – يطمئنونهم ويبشرونهم ويعلنون ولا يتهم لهم في الدنيا والآخرة ، ويلي هذا ما جاء في الدعوة والداعية ، وبذلك ينتهي الموضوع الأول .

الموضوع الثاني :

تتحدث الآيات من ( 37-54 ) عن آيات الله من الليل والنهار ، والشمس والقمر ، والملائكة العابدة ، والأرض خاشعة ، والحياة التي تهتز فيها وتربو بعد الموت ، ويلي هذا الحديث عن الذين يلحدون في آيات الله وفي كتابه ، وهنا يجيء ذلك الحديث عن هذا الكتاب ، ويشار إلى كتاب موسى واختلاف قومه فيه ، وأنه لولا سبق حكمه بإمهالهم لعجل بقضائه بينهم .

وهنا يرد حديث الساعة واختصاص علم الله بها ، وعلمه بما تكنه الأكمام من ثمرات ، وما تكنه الأرحام من أنسال ، ويعرض مشهد الكافرين وهم يسألون عن الشركاء ، يلي هذا الحديث عن النفس البشرية عارية من أستارها ، ومع حرص الإنسان على نفسه هكذا فإنه لا يحتاط لها ، فيكذب ويكفر ، غير محتاط لما يعقب هذا التكذيب من دمار وعذاب .

وتختم السورة بوعد من الله أن يكشف للناس عن آياته في الآفاق وفي أنفسهم .

وقد صدق الله وعده فكشف لهم عن آياته في الآفاق خلال الأربعة عشر قرنا التي تلت هذا الوعد ، فعرفوا كثيرا عن مادة هذا الكون ، وعرفوا أن أساس بناء هذا الكون هو الذرة ، وعرفوا أن الذرة تتحول إلى إشعاع ، وعرفوا أن الكون كله من إشعاع .

وعرفوا الكثير عن كروية الأرض وحركتها حول نفسها وحول الشمس ، وعرفوا الكثير عن المحيطات والأنهار والمخبوء في جوف الأرض من الأرزاق .

وفي آفاق النفس اهتدى الإنسان إلى معرفة الكثير من خصائص الجسم البشري وأسراره ، ووظائفه وأمراضه ، وغذائه وتمثيله ، وأسرار عمله وحركته ، ثم عن تطور المعرفة حول ذكاء الإنسان ونفسية الأفراد والجماعات وقياس السلوك ، ولا يزال الإنسان في الطريق إلى اكتشاف نفسه ، واكتشاف الكون من حوله ، حتى يحق وعد الله بأن كلماته حق ، وآياته صدق ، وكتابه منزل ، وهو على كل شيء شهيد .

قال تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ، ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط } . ( فصلت : 53 ، 54 ) .

***

تمهيد عن صدر سورة فصلت .

أخرج الإمام عبد بن حميد في مسنده ، وأبو يعلى ، والبغوي ، وغيرهم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : اجتمعت قريش يوما ، فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ، فليأت هذا الرجل الذي فرّق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب آلهتنا ، فليكلّمه ، ولننظر ماذا يردّ عليه ، فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا : ائته يا أبا الوليد ، فأتاه عتبة ، فقال : يا محمد ، إن كان إنّما بك الحاجة ، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريشا رجلا ، وإن كان إنما بك الباءة {[1]} فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوّجك عشرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرغت " ؟ قال : نعم ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم صدرا من سورة فصّلت ، حتى قال عتبة : حسبك وعاد إلى قومه ، فقالوا ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني سمعت قولا ، والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها لي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم {[2]} .

***

كتاب فصّلت آياته

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حم 1 تنزيل من الرحمان الرحيم 2 كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون 3 بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون 4 وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون 5 قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين 6 الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون 7 إن الذين آمنوا وعلموا الصالحات لهم أجر غير ممنون 8 * }

1-{ حم } .

افتتاح قُصد به لفت الأنظار ، وإثارة الانتباه إلى أن هذا القرآن مؤلف من حروف عربية تنطقون بها ، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله ، فدلّ ذلك على أنه من عند الله وحده ، وقيل : هي أدوات للتنبيه ، كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة ، وقيل : هي حروف تشير إلى أسماء الله تعالى أو صفاته .

وقد مر ذكر هذه الآراء بالتفصيل في صدر سورة البقرة .


[1]:- حاشية الجمل 2/647 نقلا عن تفسير الخازن.
[2]:) من قتل نفسه بشيء عذب به: رواه البخاري في الجنائز (1364) في الأدب (6074،6105) في الإيمان والنذور (6653) مسلم في الإيمان(110) وأبو داود في الإيمان والنذور (3257) والترمذي في الطب (2636) والنسائي في الإيمان والنذور (3770) والدرامي في الديات (2361) وأحمد في مسنده (15950، 15956) من حديث ثابت بن الضحاك وكان من أصحاب الشجرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله.
 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة فصلت مكية وآياتها أربع وخمسون ، نزلت بعد سورة غافر ، وتسمى السجدة . وأول ما بدئت به السورة هو التنويه بالقرآن الكريم ، وأنه كتاب فصّلت آياته قرآنا عربيا ، وبذلك سميت " سورة فصلت " . وهي كباقي السور المكية تعالج قضية العقيدة بحقائقها الأساسية ، الألوهية الواحدة ، والحياة الآخرة ، والوحي والرسالة . وكل ما في السورة شرح لهذه الحقائق واستدلال عليها . كذلك بيّنت موقف المشركين من القرآن ، والإعراضَ عنه ، ومحاربة دعوته ، وموقف الرسول الكريم منهم من الثبات على دعوته ، وبيان وحدة الألوهية : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد . . . } ، ويكثر الكلام عن الوحي والقرآن والجدل فيه .

وتذكّر السورة المشركين بقدرة الله في خلق السموات والأرض ، ثم تخوّفهم مما وقع لأقرب الأمم إلى ديارهم عاد وثمود ، وتذكّرهم بالآخرة ، يومَ يشهد عليهم سمعُهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ، وما يكون بينهم وبين أعضائهم من المجادلة يومئذ .

وكما تحدثت السورة عن الكافرين وعنادهم تحدثت عن المؤمنين { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا . . . } كيف تتنزل عليهم الملائكة يبشّرونهم بالجنة وما أعدّ الله لهم فيها ، ضيافة من الله الغفور الرحيم . ثم تبيّن أخلاق المسلمين ، وتعطينا درسا رفيعا في الأخلاق والسيرة الحسنة ، وكيف ندعو إلى الله : { ومن أحسنُ قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ادْفغ بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم } .

ما أحلى هذا الكلام العظيم ، وما أرقى هذه الأخلاق لو تمشّينا على هداها !

{ وما يُلقّاها إلا الذين صبروا ، وما يُلقّاها إلا ذو حظ عظيم } . اللهم اجعلنا منهم وحسّن أخلاقنا يا رب العالمين .

وتنتقل السورة فتوجه الأنظار إلى آيات الله وقدرته في هذا الكون الفسيح من أمر البعث وإحياء الموتى ، وتشدِّد النكير على المحرّفين لآيات الله ، وأن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

ثم تبين خُلُقا من أخلاق الإنسان : فهو إذا أنعم الله عليه أعرضَ عن الحق ، وإذا مسّه الشر فذو دعاء عريض .

ثم تُختم السور بتقرير أمرين هما من أهم ما اشتملت عليه من الأغراض ، أولهما : التنويه بالقرآن الكريم كما بدئت السورة به ، وثانيهما : أن ما عليه الكافرون ما هو إلا شك في البعث حملهم على الكفر والضلال { ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ، ألا إنه بكل شيء محيط } .

وهكذا تعرض حقائق العقيدة بتفصيل في هذه السورة الكريمة في هذا الحشد من المؤثرات العميقة ، فنجد أننا في مطلع السورة إلى ختامها نقف أمام مؤثرات تجول بنا في ملكوت السموات والأرض ، وفي أغوار النفس ، وفي مصارع البشر ، وفي عالم القيامة ، يتأثر بها المؤمنون ، وينأى عنها المبطلون ، { وما ربُّك بظلاّم للعبيد } .

حاميم : حرفان من حروف المعجم افتتحت بهما السورة ، لإثارة الانتباه والتدليل على إعجاز القرآن .