تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

55

المفردات :

الحميم : الماء الشديد الحرارة .

الغساق : عصارة أهل النار ، وعن ابن عباس : الزمهرير ، يغسق من صديد أهل النار ، يقال : غسقت العين ، أي : سال دمعها .

التفسير :

57-{ هذا فليذوقوه حميم وغساق } .

أي : العذاب هذا فليذوقوه ويتجرّعوا مرارته ، صنف منه حار يشوي الوجوه ، يسمى الحميم .

قال تعالى : { وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } . [ محمد : 15 ] .

وصنف منه ماء بارد لا يستطاع شربه لبرودته ، يسمى الغساق أو الزمهرير ، كما فسّره ابن عباس .

وقال آخرون : الغسّاق صديد أهل النار يسيل من أجسادهم .

وقيل : الغسّاق عذاب لا يعلمه إلا الله .

قال الحسن رضي الله عنه :

إن الناس أخفوا لله طاعة فأخفى لهم ثوابا في قوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } . [ السجدة : 17 ] .

وأخفوا معصية فأخفى لهم عقوبة ، فالغسّاق عذاب لا يعلمه إلا الله تعالى .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

قوله تعالى : ( هذا فليذوقوه حميم وغساق ) : " هذا " في موضع رفع بالابتداء وخبره " حميم " على التقديم والتأخير ، أي هذا حميم وغساق فليذوقوه . ولا يوقف على " فليذوقوه " ويجوز أن يكون " هذا " في موضع رفع بالابتداء و " فليذوقوه " في موضع الخبر ، ودخلت الفاء للتنبيه الذي في " هذا " فيوقف على " فليذوقوه " ويرتفع " حميم " على تقدير هذا حميم . قال النحاس : ويجوز أن يكون المعنى الأمر هذا ، وحميم وغساق إذا لم تجمعهما خبرا فرفعهما على معنى هو حميم وغساق . والفراء يرفعهما بمعنى منه حميم ومنه غساق وأنشد :

حتى إذا ما أضاء الصبح في غَلَسٍ *** وغُودر البقْلُ مَلْوِيٌّ ومحصودُ

وقال آخر :

لها متاعٌ وأعوانٌ غَدَوْنَ بِهِ *** قِتْبٌ وغرب إذا ما أُفْرِغَ انسَحَقَا

ويجوز أن يكون " هذا " في موضع نصب بإضمار فعل يفسره " فليذوقوه " كما تقول زيدا اضربه . والنصب في هذا أولى فيوقف على " فليذوقوه " وتبتدئ " حميم وغساق " على تقدير الأمر حميم وغساق . وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين بتخفيف السين في " وغساق " . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي " وغساق " بالتشديد ، وهما لغتان بمعنى واحد في قول الأخفش . وقيل : معناهما مختلف ، فمن خفف فهو اسم مثل عذاب وجواب وصواب ، ومن شدد قال : هو اسم فاعل نقل إلى فعال للمبالغة ، نحو ضراب وقتال ، وهو فعال من غسق يغسق فهو غساق وغاسق . قال ابن عباس : هو الزمهرير يخوفهم ببرده . وقال مجاهد ومقاتل : هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده . وقال غيرهما . إنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحره . وقال عبد الله بن عمرو : هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لأنتن من في المغرب ، ولو وقع منه شيء في المغرب لأنتن من في المشرق . وقال قتادة : هو ما يسيل من فروج الزناة ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم من الصديد والقيح والنتن . وقال محمد بن كعب : هو عصارة أهل النار . وهذا القول أشبه باللغة . يقال : غسق الجرح يغسق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر . قال الشاعر :

إذا ما تذكرتُ الحياةَ وطيبَها*** إليّ جَرَى دَمْعٌ من الليل غاسقُ

أي بارد . ويقال : ليل غاسق ؛ لأنه أبرد من النهار . وقال السدي : الغساق الذي يسيل من أعينهم ودموعهم يسقونه مع الحميم . وقال ابن زيد : الحميم دموع أعينهم ، يجمع في حياض النار فيسقونه ، والصديد الذي يخرج من جلودهم . والاختيار على هذا " وغساق " حتى يكون مثل سيال . وقال كعب : الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حمة من عقرب وحية . وقيل : هو مأخوذ من الظلمة والسواد . والغسق أول ظلمة الليل ، وقد غسق الليل يغسق إذا أظلم . وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال ( لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا ) .

قلت : وهذا أشبه على الاشتقاق الأول كما بينا ، إلا أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلانه أسود مظلما فيصح الاشتقاقان . والله أعلم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

ولما قدم أن لأهل الطاعة فاكهة وشراباً ، وكان ما وصف به مأوى العصاة لا يكون إلا عذاباً ، وكان مفهماً لا محالة أن الحرارة تسيل من أهل النار عصارة من صديد وغيره قال : { هذا } أي العذاب للطاغين { فليذوقوه } ثم فسره بقوله : { حميم } أي ماء حار ، وأشار بالعطف بالواو إلى تمكنه في كل من الوصفين فقال : { وغساق * } أي سيل منتن عظيم جداً بارد أسود مظلم شديد في جميع هذه الصفات من صديد ونحوه وهو في قراءة الجماعة بالتخفيف اسم كالعذاب والنكال من غسقت عينه ، أي سالت ، وغسق الشيء ، أي امتلأ ، ومنه الغاسق للقمر لامتلائه وكماله ، وفي قراءة حمزة والكسائي وحفص بالتشديد صفة كالخباز والضراب ، تشير إلى شدة أمره في جميع ما استعمل فيه من السيلان والبرد والسواد .