فاعبدوا ما شئتم : أمر تهديد وتوبيخ لهم ، أي : ستلقون حتما جزاء كفركم .
الخاسرين : الكاملين في الخسران ، { الذين خسروا أنفسهم } . بالضلال ، { وأهليهم } . بدخولهم النار .
عن ابن عباس : ليس من أحد إلا خلق الله له زوجة في الجنة ، فإذا دخل النار خسر نفسه وأهله .
15- { فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } .
وهذا أمر تهديد ووعيد ، أي : أنا أخلصت عبادتي له وحده ، وسرت في طريق التوحيد والإخلاص لله تعالى وحده بالعبادة ، فاعبدوا أنتم ما شئتم من الأصنام والأوثان والشركاء من دون الله ، فستلقون عقاب ذلك يوم القيامة ، قل لهم يا محمد : إنّ الخاسرين كمال الخسران ، هم الذين خسروا أنفسهم حيث حرموها من الإيمان بالله تعالى ، ومن سماع القرآن ، ومن هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أنهم خسروا أهليهم ، حيث أرشدوهم إلى الكفر والشرك ، أو حُرموا من الحور العين في الجنة ، أو حرموا أهليهم الذين أعدهم الله لهم في الجنة لو آمنوا بالله وأطاعوه .
أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن قتادة قال : ليس أحد إلا قد أعدّ الله تعالى له أهلا في الجنّة إن أطاعه .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ، أنه قال في الآية : خسروا أهليهم من أهل الجنة ، وكانوا قد اعدّوا لهم لو عملوا بطاعة الله .
{ ألا ذلك هو الخسران المبين } .
إن هذا لهو الخسارة الفادحة الظاهرة ، أن تخسر نفسك فلا تكون مصطلحا عليها ، بل ترغمها على الكفر ، وتهرب منها إلى الشرك ، وأن تخسر أهلك وزوجك وذريتك ، فترشدهم إلى الكفر والمعصية ، وأنت حادي الطريق ، وأنت الراعي المسئول عن رعيته ، فبدلا من أن تقدم لها الهداية ، قدمت لها الغواية ، فحرمت سعادة الدنيا والآخرة ، وحرمت مع أسرتك نعيم الجنة وأهلها وبحبوحتها ، وصرت أهلا للعذاب الشديد بين صفائح جهنم .
" فاعبدوا ما شئتم من دونه " أمر تهديد ووعيد وتوبيخ ، كقوله تعالى : " اعملوا ما شئتم " [ فصلت : 40 ] . وقيل : منسوخة بآية السيف .
قوله تعالى : " قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين " قال ميمون بن مهران عن ابن عباس : ليس من أحد إلا وقد خلق الله له زوجة في الجنة ، فإذا دخل النار خسر نفسه وأهله . في رواية عن ابن عباس : فمن عمل بطاعة الله كان له ذلك المنزل والأهل إلا ما كان له قبل ذلك ، وهو قوله تعالى : " أولئك هم الوارثون " [ المؤمنون : 10 ] .
ولما علم من هذا غاية الامتثال بغاية الرغبة والرهبة وهم يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم أقواهم قلباً وأصفاهم لباً ، وأجرأهم نفساً وأصدقهم وأشجعهم عشيرة وحزباً ، كان خوف غيره من باب الأولى ، فسبب عنه تهديدهم أعظم تهديد بقوله : { فاعبدوا } أي أنتم أيها الداعون له في وقت الضراء المعرضون عنه في وقت الرخاء { ما شئتم } أي من جماد أو غيره . ونبّه على سفول رتبة كل شيء بالنسبة إليه سبحانه تسفيهاً لمن يلتفت إلى سواه بقوله : { من دونه } فإن عبادة ما دونه تؤدي إلى قطع إحسانه ، ولا إحسان إلا إحسانه ، فإذا انقطع حصل كل سوء ، وفي ذلك جميع الخسارة .
ولما كانوا يدعون الذكاء ، ويفعلون ما لا يفعله عاقل ، أمره أن يقول لهم ما ينبههم على غباوتهم بما يصيرون إليه من شقاوتهم فقال : { قل إن الخاسرين } أي الذين خسارتهم هي الخسارة لكونها النهاية في العطب { الذين خسروا أنفسهم } أي بدخولهم النار التي هي معدن الهلاك لعبادتهم غير الله من كل ما يوجب الطغيان . ولما كان أعز ما على الإنسان بعد نفسه أهله الذين عزه بهم قال : { وأهليهم } أي لأنهم إن كانوا مثلهم فحالهم في الخسارة كحالهم ، ولا يمكن أحداً منهم أن يواسي صاحبه بوجه فإنه لكل منهم شأن يغنيه ، وإن كانوا ناجين فلا اجتماع بينهم .
ولما كانت العاقبة هي المقصودة بالذات ، قال : { يوم القيامة } لأن ذلك اليوم هو الفيصل لا يمكن لما فات فيه تدارك أصلاً ولما كان في ذلك غاية الهول . كرر التعريف بغباوتهم تنبيهاً على رسخوهم في ذلك الوصف على طريق النتيجة لما أفهمه ما قبله ، فقال منادياً لأنه أهول مبالغاً بالاستئناف وحرف التنبيه وضمير الفصل وتعريف الخبر ووصفه : { ألا ذلك } أي الأمر العظيم البعيد الرتبة في الخسارة جداً { هو } أي وحده { الخسران } أتى بصيغة الفعلان المفهم مطلقها للمبالغة فكيف إذا بنيت على الضم الذي هو أثقل الحركات ، وزاد في تقريعهم بالغباوة بقوله : { المبين * } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.