13- { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } .
كثير من القرى الظالمة ، مثل قرى عاد وثمود ولوط ، كانوا أعتى وأقوى وأشد قدرة وقوة من أهل مكة الذين أخرجوك وعادوك ، وحاولوا قتلك أو نفيك أو حبسك ، ولقد أهلكنا كثيرا من هذه القرى الظالمة مع قوتها ، ونحن أقدر على إهلاك أهل مكة ، لأنهم أقل شأنا وقوة ممن أهلكنا من الظالمين ، وإذا كان الله قد أمهل أهل مكة إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك لن ينجيهم من عذاب النار يوم القيامة .
أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار وأتاه ، التفت إلى مكة وقال : ( أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأنت أحب بلاد الله إلي ، ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك ) .
قال ابن كثير في التفسير معقبا على الأثر السابق : فأعدى الأعداء من عدا على الله تعالى في حرمه ، أو قتل غير قاتله ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } .
قوله تعالى : " وكأين من قرية " تقدم الكلام في " كأين " في ( آل عمران ){[13922]} . وهي ها هنا بمعنى كم ، أي وكم من قرية . وأنشد الأخفش قول لبيد :
وكائن رأينا من ملوك وسُوقَةٍ *** ومفتاحِ قيد للأسير المكبل
فيكون معناه : وكم من أهل قرية . " قريتك التي " أي أخرجك أهلها . " أهلكناهم فلا ناصر لهم " قال قتادة وابن عباس : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال : [ اللهم أنت أحب البلاد إلى الله وأنت أحب البلاد إلي ولولا المشركون أهلك أخرجوني لما خرجت منك ] . فنزلت الآية . ذكره الثعلبي ، وهو حديث صحيح .
ولما وعد سبحانه أنه ينصر من ينصره لأنه مولاه ويدخله دار نعمته ، ويخذل من يعانده لأنه عاداه إلى أن يدخله دار شقوته ، كان التقدير دليلاً على ذلك : فكأين من قوم هم أضعف من الذين اتبعوك نصرناهم على من كذبهم ، فلا خاذل لهم ، فعطف{[59480]} عليه قوله : { وكأين } ولما كانت قوة قريش في الحقيقة ببلدهم{[59481]} ، وكان الإسناد إليها أدل على تمالؤ أهلها وشدة اتفاقهم حتى كأنهم كالشيء الواحد قال-{[59482]} : { من قرية } أي كذبت رسولها { هي أشد قوة } وأكثر عدة { من قريتك } ولما كان إنزال{[59483]} هذه بعد الهجرة ، عين فقال : { التي أخرجتك } أي أخرجك أهلها متفقين في أسباب الإخراج{[59484]} من أنواع الأذى على كلمة واحدة حتى كأن{[59485]} قلوبهم قلب واحد فكأنها هي المخرجة - وهي مكة - كذبوك وآذوك حتى أخرجناك من عندهم لننصرك عليهم بمن أيدناك بهم من قريتك هذه التي آوتك من الأنصار نصراً جارياً على ما تألفونه وتعتادونه { أهلكناهم } بعذاب الاستئصال كما اقتضت عظمتنا ، وحكى حالهم الماضية بقوله : { فلا ناصر لهم * } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.