تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

38

{ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون . }

التفسير :

كان المشركون يقرون لله بالخلق والإيجاد فالله تعالى خالق هذا الكون وخالق الإنسان وهو سبحانه الرازق ومسبب أسباب الرزق بتسخير السحاب والأمطار وإنبات النبات وتسخير السفن في البحر وتيسير الصيد من البحر والبر وتيسير التجارة والزراعة ، وأنواع المكاسب لإعمار الأرض حيث قدر في الأرض أرزاقها واستعمرنا فيها وبيد الله الموت وقبض الروح والبعث والإحياء يوم القيامة .

ثم يستفهم القرآن استفهاما إنكاريا مرادا به التوبيخ والتقريع فيقول :

{ هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون . }

هل من الأصنام أو الآلهة المدعاة التي تعبدونها من يفعل شيئا من الخلق أو الرزق أو الإماتة أو الإحياء .

وهو استفهام إنكاري للتقريع والتوبيخ أي : لا يقدر أحد من الأصنام أو الشركاء أن يفعل شيئا من ذلك .

{ سبحانه وتعالى عما يشركون . }

تنزه الله تعالى وتسامى أن يكون له شريك في ألوهيته ، من صنم أو وثن أو ملك أو جن أو عزيز أو مسيح فالجميع عباد خاضعون لله ، لا شركاء له .

قال تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كانا معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحانه الله عما يصفون . ( المؤمنون : 91 ) .

***

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

قوله تعالى : " الله الذي خلقكم " ابتداء وخبر . وعاد الكلام إلى الاحتجاج على المشركين وأنه الخالق الرازق المميت المحيي . ثم قال على جهة الاستفهام : " هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء " لا يفعل . " سبحانه وتعالى عما يشركون " ثم نزه نفسه عن الأنداد والأضداد والصاحبة والأولاد وأضاف الشركاء إليهم ؛ لأنهم كانوا يسمونهم بالآلهة والشركاء ، ويجعلون لهم من أموالهم .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

ولما وضح بهذا أنه لا زيادة إلا فيما يزيده الله ، و{[53191]} لا خير إلا فيما يختاره الله ، فكان ذلك مزهداً في زيادة الاعتناء بطلب{[53192]} الدنيا ، بين ذلك بطريق لا أوضح منه فقال : { الله } أي بعظيم جلاله لا غيره { الذي خلقكم } أي أوجدكم على ما أنتم عليه من التقدير لا تملكون شيئاً . ولما كان{[53193]} الرزق موزعاً بين الناس بل هو ضيق{[53194]} على كثرته عن كثير{[53195]} منهم ، فكان رزق من تجدد - لا سيما إن كان{[53196]} ابناً لفقير - مستبعداً ، أشار إليه بأداة البعد فقال : { ثم رزقكم } ولما كانت{[53197]} إماتة المتمكن من بدنه وعقله وقوته وأسباب نبله عجيبة ، نبه عليها بقوله : { ثم يميتكم } ولما كان كل ذلك في الحقيقة عليه هيناً{[53198]} ، وكان الإحياء بعد الإماتة إن لم يكن أهون من الإحياء أول مرة كان مثله وإن استبعدوه قال : { ثم يحييكم } .

ولما استغرق بما ذكر جميع ذواتهم وأحوالهم ، وكان الشريك من قام بشيء من العمل أو{[53199]} المعمول فيه ، وكان من المعلوم أنه ليس لشركائهم في شيء من ذلك نوع صنع ، قال منكراً عليهم : { هل من } ولما كان إشراكهم بما أشركوا لم تظهر له ثمرة إلا في{[53200]} أنهم جعلوا لهم جزءاً من أموالهم ، عبر بقوله : { شركائكم } أي الذين تزعمونهم شركاء { من يفعل من ذلكم } مشيراً إلى علو رتبته بأداة البعد وخطاب الكل . ولما كان الاستفهام الإنكاري التوبيخي في معنى النفي ، قال مؤكداً له مستغرقاً لكل ما يمكن منه ولو قل جداً : { من شيء } أي{[53201]} يستحق هذا الوصف الذي تطلقونه عليه .

ولما لزمهم قطعاً أن يقولوا : لا{[53202]} وعزتك ! ما{[53203]} لهم ولا لأحد منهم في شيء من ذلك من فعل ، أشار إلى عظيم ما ارتكبوه بما أنتجه هذا الدليل ، فقال معرضاً عنهم زيادة في التعظيم والعظمة ، منزهاً لنفسه الشريفة منها على التنزيه ببعد رتبته الشماء من حالهم : { سبحانه } أي تنزه تنزهاً لا يحيط به الوصف من أن يكون محتاجاً إلى شريك ، فإن ذلك نقص عظيم . ولما كان من أخبر بأنه فعل شيئاً أو يفعله كالإماتة والإحياء بالبعث وغيره لا يحول بينه {[53204]}وبينه{[53205]} المقاوم من شريك ونحوه ، قال{[53206]} : { وتعالى } أي علواً لا تصل إليه العقول ، كما دلت عليه صيغة التفاعل ، وجرت قراءة حمزة والكسائي بالخطاب على الأسلوب الماضي{[53207]} ، وأذنت قراءة الباقين{[53208]} بالغيب {[53209]}بالإعراض للغضب في{[53210]} قوله معبراً بالمضارع إشارة إلى أن العاقل من شأنه أنه{[53211]} لا يقع منه شرك{[53212]} أصلاً ، فكيف إذا كان على سبيل التجدد والاستمرار : { عما يشركون* } في أن يفعلوا شيئاً من ذلك أو{[53213]} يقدروا بنوع من أنواع القدرة على أن يحولوا بينه وبين شيء مما يريد ليستحقوا بذلك أن يعظموا نوع تعظيم ، فنزهوه وعظموه بالبراءة من كل معبود سواه .


[53191]:سقط من ظ.
[53192]:في ظ ومد: الطلب.
[53193]:زيد في الأصل: التقدير، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53194]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: صيف.
[53195]:زيد في ظ: كانت من إماتة المتمكن من بدنه وعقله وقوته.
[53196]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53197]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: كان.
[53198]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: هنا.
[53199]:سقط من ظ.
[53200]:سقط من ظ.
[53201]:زيد من ظ وم ومد.
[53202]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: إلا.
[53203]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لا.
[53204]:ليس في ظ.
[53205]:ليس في ظ.
[53206]:زيد من ظ ومد.
[53207]:سقط من م.
[53208]:راجع نثر المرجان 5/301 و302.
[53209]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53210]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53211]:من م ومد، وفي الأصل وظ: أن.
[53212]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: شربي.
[53213]:من ظ وم ومد وفي الأصل "و".