تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

9

المفردات :

إخوة : الإخوة في النسب ، والإخوان في الصداقة ، واحدهم أخ ، وقد جعلت الإخوة في الدين ، كالأخوة في النسب ، كأن الإسلام أب لهم ، قال قائلهم :

أبى الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

التفسير :

10- { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } .

المؤمنون إخوة في الدين والإسلام ، وبينهم وشائج الأخوة الكاملة ، فإن وقع نزاع بين الإخوة ، وجب أن نسارع إلى الصلح بينهم ، ونبذل في ذلك الجهد والحكمة ، وحسن الدعوة ، ومحاولة التوفيق ، مع مراقبة الله رجاء رحمته وفضله وإكرامه .

أخرج الشيخان بسنديهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )12 .

/خ10

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } هذا عقد ، عقده الله بين المؤمنين ، أنه إذا وجد من أي شخص كان ، في مشرق الأرض ومغربها ، الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، فإنه أخ للمؤمنين ، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ، ما يحبون لأنفسهم ، ويكرهون له ، ما يكرهون لأنفسهم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم آمرًا بحقوق الأخوة الإيمانية : " لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا يبع أحدكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانًا المؤمن أخو المؤمن ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره " {[799]} .

وقال صلى الله عليه وسلم{[800]}  " المؤمن للمؤمن ، كالبنيان يشد بعضه بعضًا " وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه .

ولقد أمر الله ورسوله ، بالقيام بحقوق المؤمنين ، بعضهم لبعض ، وبما به يحصل التآلف والتوادد ، والتواصل بينهم ، كل هذا ، تأييد لحقوق بعضهم على بعض ، فمن ذلك ، إذا وقع الاقتتال بينهم ، الموجب لتفرق القلوب وتباغضها [ وتدابرها ] ، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم ، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم .

ثم أمر بالتقوى عمومًا ، ورتب على القيام بحقوق المؤمنين وبتقوى الله ، الرحمة [ فقال : { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وإذا حصلت الرحمة ، حصل خير الدنيا والآخرة ، ودل ذلك ، على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين ، من أعظم حواجب الرحمة .

وفي هاتين الآيتين من الفوائد ، غير ما تقدم : أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية ، ولهذا ، كان من أكبر الكبائر ، وأن الإيمان ، والأخوة الإيمانية ، لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار ، التي دون الشرك ، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة ، وعلى وجوب الإصلاح ، بين المؤمنين بالعدل ، وعلى وجوب قتال البغاة ، حتى يرجعوا إلى أمر الله ، وعلى أنهم لو رجعوا ، لغير أمر الله ، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه ، أنه لا يجوز ذلك ، وأن أموالهم معصومة ، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة ، دون أموالهم .


[799]:- في ب: أورد الشيخ الحديث كما يلي: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله أخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه) متفق عليه.
[800]:- في ب: وفيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

قوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } في الدين والولاية ، { فأصلحوا بين أخويكم } إذا اختلفا واقتتلا ، قرأ يعقوب بين إخوتكم بالتاء على الجمع ، { واتقوا الله } فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره ، { لعلكم ترحمون } .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي ، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله بها عنه كربةً من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " . وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل -وهو القدوة- في قتال أهل البغي ، عن أهل الجمل وصفين : أمشركون هم ؟ فقال : لا ، من الشرك فروا ، فقيل : أمنافقون هم ؟ فقال : لا ، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، قيل : فما حالهم . قال : إخواننا بغوا علينا . والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل ، فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل ، ونصبوا إماماً فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته ، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم ، وإن لم يذكروا مظلمة ، وأصروا على بغيهم ، قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته ، ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ، ولا يذفف على جريحهم ، نادى منادي علي رضي الله عنه يوم الجمل ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح ، وأتي علي رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له : لا أقتلك صبراً إني أخاف الله رب العالمين . وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه . قال ابن شهاب : كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول ، وأتلف فيها أموال كثيرة ، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم ، وجرى الحكم عليهم ، فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالاً أتلفه . أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم ، أو لم يكن لهم تأويل ، أو لم ينصبوا إماماً فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالاً ولم يتعرضوا للمسلمين ، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق . روي أن علياً رضي الله عنه سمع رجلاً يقول في ناحية المسجد : لا حكم إلا لله ، فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

قوله : { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم } المؤمنون إخوة في العقيدة والدين . وهذه حقيقة كبرى رسخها الإسلام لتكون خير رباط يؤلف بين الناس .

وعلى هذا فإن المسلمين جميعا إخوان متحابون متعاونون وذلك على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم ، ومهما تناءت بينهم البلدان والأقاليم ، وهم لا تفرق بينهم الحواجز المصطنعة التي أوجدها الظالمون المخالفون لأمر الله ، الرافضون لعقيدة الإسلام ومنهج الله للعالمين ، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " وعنه صلى الله عليه وسلم من رواية أحمد عن سهيل بن سعد الساعدي ( رضي الله عنه ) " إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس " { فأصلحوا بين أخويكم } أي أصلحوا بين المسلمين سواء كانوا اثنين أو فئتين أو طائفتين إذا وقع بينهم نزاع أو خصومة أو اقتتال ، ليفيئوا جميعا إلى حكم الله العادل وليزول من بين المسلمسن كل وجه من أوجه الشقاق والخلاف .

قوله : { واتقوا الله لعلكم ترحمون } أي خافوا ربكم بأداء فرائضه واجتناب عصيانه ونواهيه والإصلاح بين إخوانكم المسلمين بالعدل يبسط الله عليكم رحمته وتحظوا بالمغفرة والأجر والإحسان{[4293]} .


[4293]:فتح القدير جـ 4 ص 63 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 211 وتفسير القرطبي جـ 16 ص 315 – 324.